لم يمنع أي انشغال من انشغالات الحياة اليومية أن يتوه مناصري الشناوة والكناري من متابعة مباراة فريقيهما المفضل المولودية ضد شبيبة القبائل في مقابلة نهائي الطبعة ال50 من كأس الجمهورية لكرة القدم، حيث ازدحم مشجعوا الفريقين على جنبات ملعب مصطفى تشاكر منذ صباح الخميس المنصرم لمشاهدة مباراة في غاية التشويق.. وما إن أعلن الحكم صافرة نهاية المباراة معلنا فوز الشناوة، حتى أضاءت الألعاب النارية سماء مدينة الورود وانطلق مناصرو المولودية ليحتفلوا بتحقيق فريقهم لقب البطولة الجزائرية للمرة السابعة، وعمت مواكب الأفراح جميع الشوارع العاصمية وامتلأت الأحياء والطرقات بالمحتفلين الذين رفعوا أعلام البلاد وصور اللاعبين وهم يرقصون ويتبادلون التهنئة بهذا الانجاز العظيم والنظيف المستحق على نظيره الكناري بركلات الترجيح (54) بعد نهاية المباراة في وقتيها الأصلي والإضافي، بالتعادل بهدف لمثله. في بث حي ومباشر انطلق مناصرو المولودية احتشدت في الميادين و انطلقت السيارات والمسيرات الشوارع ابتهاجا بالفوز على شبيبة القبائل فيما راح عدد من المحتفلين ينثرون الحلوى بين جموع المحتفلين. وبدت دموع الفرح في عيون المناصرين الذين خرجوا أطلقوا العنان لحناجرهم بهتافات مختلفة وأغاني شعبية تشيد بالمولودية وفحولة أبناءها، فيما تم تزيين الأحياء في العاصمة بأعلام اللونين الأحمر والأخضر للمولودية والأصفر والأخضر لشبيبة القبائل منذ أيام عديدة قبيل المباراة الحاسمة.وقد سلم الوزير الأول عبد المالك سلال ميداليات لطاقم التحكيم و للاعبي الفريقين وطاقميهما الإداري والفني. ثم سلم كأس الجزائر لقائد مولودية الجزائر عبد القادر بصغير. أعرق متنافسين يصنعون الحدث في تاريخ كرة القدم الجزائرية أيام طويلة من التحضيرات لكل من الفريقين وحتى أنصارهم لهذا الحدث الرياضي الهام، الذي كان الحديث الأوحد كون هذا اللقاء النهائي بين ناديين عريقين ومعروفين بالتنافس الرياضي فيما بينهما، والذي أضحى حدثا بارزا في تاريخ كرة القدم الجزائرية.. خاصة بعد فوز مولودية العاصمة بعد اللقاء المشوق من عدة جوانب سواء فوق أرضية الملعب أو بالمدرجات وعبر مختلف أرجاء البلاد التي يوجد فيها أنصار شبيبة القبائل و مولودية الجزائر. نجحنا في الظفر بالعروس وبعد النجاح الذي حققته مولودية الشناوة حاولت الاتحاد التقرب من المناصرين الذين كانوا في قمة الفرحة لنجاحهم في اختطاف عرس حقيقي من خلال هتافاتهم "ادينا لعروسة" أي "أخذنا الكأس". "غربي منحنا الفوز بآخر تسديدة" "غربي عنون فوز المباراة في آخر تسديدة له في مرمى الحارس عسلة وادخل الفرحة والبهجة على قلوبنا منحنا ليلة بيضاء أبدينا فيها بهجتنا ومآزرتنا لفريقنا الحبيب" بهذه العبارات استقبلنا المناصرون. سددوا دينهم علينا ومنحونا الفوز أما جهيد فقال إن المولودية قد محت إخفاق الموسم الفارط، و صدمة 5 جويلية العام الماضي، أين تركت الخسارة دينا كبيرا معلقا على رقابهم، ولكنهم بالفوز الثمين هذا قد سددوه.. فنحن كمناصرين لدينا كل الحق عليهم لأننا لا نتوانى عن حضور أية مباراة كانت والوقوف بجانبهم وتشجيعهم والحمد لله حظينا بالكأس الذي نهديه إلى كافة الشعب الجزائري" شغف وإقبال كبير لقيمة اللقاء شغف الأنصار ورغبتهم الكبيرة في مشاهدة النهائي دفعت بهم إلى الذهاب باكرا إلى الملعب، حيث فتحت الأبواب للسماح إلى الأنصار بالدخول إلى المدرجات من دون تدافع ولا فوضى، والإقبال على الملعب كان كبيرا منذ الصباح الباكر، بالنظر لقيمة اللقاء الذي يجمع أقدم وأعرق فريقين في تاريخ كرة القدم الجزائرية ورغبة كل مناصر في الحضور في المدرجات. المولودية فريق عريق يمرض ولا يموت كان اللقاء شيقا حيث لم تبرح روح المنافسة ملعب مصطفى شاكر منذ بداية المباراة حتى انتهاءها كما أن المناصرين لم يهمهم شيء سوى فوز فريقهم للخروج وإحياء عرسهم في أجواء رائعة بسنفونيات وصور رائعة أبطالها أنصار المولودية والأهازيج التي أضفت على الشوارع رونقا رائعا فالمولودية فريق عريق يمرض ولا يموت وذهابه إلى أبعد نقطة ممكنة في منافسة الكأس أمرا كان متوقعا منذ البداية والسيدة الكأس كانت بانتظارنا" هذه هي كرة القدم فيها رابح وفيها خاسر وحول المباراة يقول جعفر مناصر الشبيبة: " عشنا إثارة حقيقية في هذه المباراة، نشهد أن المولودية خطفت الكأس بكل استحقاق أما لاعبي شبيبة القبائل فقد تألقوا ببراعة إلا أن الحظ لم يحالفهم خلال ضربات الترجيح، أما الأداء فقد لعب كلا الفريقين كرة نظيفة بكل روح رياضية خاصة وأن بيشاري حكم المباراة بذكاء مطلق وأعطى لكل ذي حق حقه".وخلاصة القول أننا كلنا واحد وربحهم هو ربح لنا أيضا وهذه هي كرة القدم فيها رابح وفيها خاسر، ولكننا نبقى دما واحدا ويدا واحدة. " البالون زهر والزهر كان مع المولودية" أما رضوان فقال: "بالرغم من تضييعنا لثلاثة أهداف والتي لم تكن بالسهلة حيث كان حارس مرمى الخصم جد مستيقظ للهدفين، إلا أن لاعبي الشبيبة كانوا في أتم التألق والحارس عسلة كان في القمة ولكن كما نقول " البالون زهر والزهر كان مع المولودية" وضربات الترجيح ابتسمت لهم". "المولودية فازت وأنا مرضت" أما سفيان فقد أصيب بإحباط تام ما جعل ضغطه ومرضه السكري يرتفعان: حيث قال" بداية لم أضن أبدا أن المولودية ستتأهل لأنهم كانوا لا يزالون بعيدين كل البعد عن ضمان التتويج باللقب، وقد فاجئني المتتبعين بنتائجه الجيدة.. ولكن هذا مكتوب وما باليد حيلة المولودية فازت وخسارة فرقي المفضل أطرحني الفراش" البرق الرياضي الجزائري أم الهلال الجزائري.. لا المولودية" ! بينما كان الشاب عبد الرحمن عوف جالسا بساحة الشهداء أثار اهتمامه مجموعة من الأطفال يلعبون بكرة مصنوعة من الورق ويتنافسون عليها وعلامات السرور والبراءة بادية على وجوههم، وأخذ يتابعهم باهتمام وبينما هم يلعبون مرت بجانبهم مجموعة من العساكر الفرنسيين، فنظر الرقيب للأطفال باستعلاء وقال لهم باحتقار: (Voici le Parc des Princes des Arabes) نسبة لملعب حديقة الأمراء بباريس، فأثرت هذه الجملة كثيرا في عوف كثيرا وأشعرته بالإهانة وجعلته يفكر في تأسيس ناد لكرة القدم قضية مبدأ بالنسبة له، وفي يوم 7 أوت 1921 اجتمع عوف رفقة أصدقائه من حي القصبة العتيق وباب الوادي أمام مقهى ياحي، ليختاروا اسم وألوان النادي الجديد، وقاموا باقتراح العديد من الأسماء على غرار: (البرق الرياضي الجزائري، الهلال الجزائري، النجم الرياضي...) وفي لحظة لم يتوقعها أحد صعد صوت من داخل المقهى من شخص مجهول مناديا: " مولودية ! " (نسبة للمولد النبوي الشريف الموافق لذلك اليوم)، و هي التسمية التي لقيت تجاوب هؤلاء الشبان ليتم الاتفاق على تسمية الفريق "المولودية الشعبية الجزائرية"، واختيار ألوان العلم الوطني كألوانه الرسمية. روح الفوز بدأت منذ بداية الفكرة وبعد جمع الملف كاملا لتأسيس الجمعية الرياضية، وتحضير الإمكانيات اللازمة (المادية والمالية)، واختيار ملعب للفريق ومقره الخاص، انتقل عبد الرحمن لمقر الولاية لدفع الملف والحصول على الموافقة ، فتم رفض طلبه بحجة من الإدارة أنه لا يمكنه تأسيس جمعية لأنه لم يبلغ سن الراشد بعد كونه كان في 19 سنة، فقام بتزوير الوثائق وانتحل هوية زوج عمته "عبد المالك، وقد تم استدعاؤه مرتين من طرف الولاية، بهدف إلغاء ملفه إلا أنه تمكن من تجاوز كل أسئلتهم المخادعة، حيث قاموا بسؤاله عن هدف إنشاء هذا الفريق ؟ فأجاب أنه يهدف لتدريب وتحضير الشبان للخدمة العسكرية، و سألوه عن سبب اختياره اللونين الأخضر والأحمر وإلى ما ترمز ؟ فأجاب مباشرة: الأخضر يرمز للجنة والأحمر للنار، حتى ظفر بالمصداقية.