تعد العلاقات الزوجية في رأس العلاقات الاجتماعية من حيث الأهمية، فالزوج والزوجة هما اللبنة الأساسية للمجتمع، وبدون التفاهم بينهما تختل الكثير من الموازين، وحب التملك غريزة فطرية في الإنسان أوجدها الله فيه منذ وجد فحيازة الشيء وجعله في تصرفه وسيطرته باستقلال وعدم مشاركة غيره فيه، وهذه الصفة في حد ذاتها بعيدة عن الإفراط والتفريط من مقومات الحياة، إذ أن حب التملك في حده المشروع يدفع الإنسان إلى السعي والمثابرة حيث أن الإنسان يسعى كي يحصل على أعلى المراكز والرتب وصولا لأعلى درجات التميز .. ولكن من جهة أخرى أتخذ البعض حب التملك للأشخاص وليس للأشياء كنقطة سلبية فالبعض قد يظهر هذا التملك بشكل ملحوظ ومفرط فيه والبعض الآخر قد يخفيه ومن أمثلة حب التملك الذي نقصده ذلك الذي يولد بين الزوج وزوجته، حيث أن كلمة أحبه"ها"، كلمة تبرر له كل تصرفاته تجاه شريكه من رغبة في حيازة الآخر، والأنانية، ولكن ليس بالضرورة أن يكون حب التملك و السيطرة خطير و غير صحي للاستمرار في العلاقة، ومن الصعب تحديد فيما إذا كان هذا كان حب التملك يهدد العلاقة، و لكن هناك بعض العلامات التي يمكن الاستدلال من خلالها حول مدى خطورة هذا التصرف من الطرف الأخر، و من أبرزها أن يكون حب التملك هو الطابع الغالب على العلاقة..الحب بمعناه الحقيقي هو ذلك التفاعل الذي لا يعرف الصنعة ولا يعترف إلا بكل ما هو صادق ومشرق وناصع وغريزة حب التملك موجودة في جميع البشر بنسبة متفاوتة فلكل منا أحلامه في امتلاك كل شيء جميل دون الوصول إلى حدود انتهاك حقوق الغير، ففي بداية كل زواج يظن الزوجان في بداية زواجهما أنه لا توجد خصوصية بينهما ولو في أبسط الأمور، وقد يكون أحد الأطراف يتميز بنوع من الأنانية فيحتفظ ببعض الخصوصية لنفسه ويضيق الخناق على الطرف الآخر ليعترف له بكل لحظة قضاها بعيدا عنه حيث لابد وأن يري الحبيب حبيبه في كل صورة وفي كل موقف، وفي كل لحظة رمزا للرعاية والمعرفة والتجاوب، والفرحة والمسرة والمتعة بعيدا وهذا بعيدا عن هذه الآفة الخطيرة التي تنخر في شخصية الإنسان آفة التملك، حيث نجد الزوج يحرم زوجته من الذهاب إلى بيت أهلها أو زيارة صديقتها وأن لا تتكلم مع أحد من الناس مجرد ما تزوجها قطع كل علاقاتها مع العالم الخارجي، ونجد الزوجة تحرم زوجها من التعامل مع امرأة أخرى غير أخته ووالدته وتقطع علاقاته مع قريباته.. وهذا ما يجعل مشاعر الحب تخنق وتشعل الحرب الأبدية بينهما، فالمرأة التي تحب زوجها لدرجة التملك تخنقه بالسين والجيم ولا تترك له مساحة للحرية يتنفس من خلالها هواء الانفراد بنفسه ومع أصدقائه، وكذلك الرجل المسيطر الديكتاتور الذي يحاول جهده أن يبقي زوجته داخل زجاجة لا تخرج منه أبدا، كلتا الحالتين تفشلان الحياة الزوجية وتضعانها في هاوية الانهيار. ترى ما رأي الأزواج والزوجات ؟ والآمثلة كثيرة ونستهل هذه القصة المعبرة كبداية للموضوع: مرض أحد أبناء الملوك في عهد الطبيب المسلم ابن سينا فاستدعي ابن سينا لعلاجه ...ولما دخل ابن سينا على الشاب المريض وبعد فحصه لم يجد في ظاهر جسمه علة، فأمسك نبضه وراح يردد على مسامعه أسماء مناطق وأحياء المدينة التي يسكنها هذا الشاب و عشيرته، وعندما وصل إلى اسم حي معين زاد نبض المريض و وزادت ضربات قلبه .... ردد ابن سينا أسماء بيوت الحي على المريض فزاد نبضه و عند ذكر اسم بيت أسرة بعينها عندها أخذ الطبيب الحاذق يردد أسماء من يسكنون ذلك البيت حتى وصل إلى اسم معين من فتيات الأسرة ... فإذا بقلب المريض يدق بسرعة ويزداد نبضه زيادة ملحوظة، عندها صاح ابن سينا وقال: زوجوا ابنكم الشاب من تلك الفتاة فهي علاجه ! يتملكني هاجس لبعض الوقت.. وبعدها أندم بالنسبة لكريمة موظفة تقول: أنا أسمح لزوجي بمساحة من الحرية في البقاء وحيدا أو تبادل الزيارات مع أصدقائه والخروج معهم إلى المقاهي، لكني أحيانا أظل على جمر الانتظار إلى أن يعود، هاجس يتملكني لبعض الوقت فأقول في نفسي ربما لا يكون مع أصدقائه، أو ربما يواعد امرأة أخرى، أو ربما لم يعد يحبني كما كان، وحالما يعود إلى البيت ألوم نفسي على تلك الهواجس وأعود لطبيعتي فالاحترام يكبر ويترعرع عندما يكون كل واحد من الطرفين مستعدا للاعتراف بخصوصية الآخر وبحاجة إلى أن ذاته كلما شعر بتوق لذلك، وعندما يقضي الحب والزواج على الحيز الفردي للمرء فإن الوضع يكون خرج عن النطاق الطبيعي وتحول من عاطفة رائعة إلى حكم ديكتاتوري. يروقها ويروقني ذلك فيما يقول عباس 29 سنة: " وزوجتي لا تهادن ولا تساوم في بعض المسائل حيث لا خطوط حمراء فيما يتعلق بخصوصياتي فمثلا لا تتقبل أن أسافر ولو لأيام ومن أجل العمل، بل تريد مرافقتي دائما وتغتاظ إذا ما شعرت أن أحدا من أصدقائي أسترق بضع ساعات من وقتها ولا تتقبل فكرة أن أذهب إلى المقهى مع أصحابي أو أن أجلس وحيدا، لكن هذا يروقني لأنه يعبر عما تشعر به اتجاهي وأنا بالمثل أتشبث بها كظلي حبي لها خانق ومهما حاولت إنقاص غيرتي وحب تملكي لها أفشل.." أتمنى أن أحظى بالانفرادية وبعض الحرية تقول شيماء: زوجي يفسر محاولتي الابتعاد قليلا على أنه دليل على تناقض الحب وكأنه يريد أن تظل جمرة الحب على حالها وكما كان عليه في اليوم الأول من اللقاء بيننا في بعض الأحيان يرى الواحد منا أن الحياة مزدحمة حتى بوجود شخص واحد هو أقرب الناس إلى قلبه وفي تلك الحال يتمنى المرء أن يتخلص من ذلك الزحام وأن يكون وحيدا لوقت قصير كي يمارس تأملاته الخاصة وما إن يحظى بتلك اللحظات الانفرادية حتى يستعيد توازنه ويصبح أكثر استعدادا للقاء الآخرين بمن فيهم أقرب الناس إليه. كشف الحساب لا تقدمه إلا المرأة في مجتمعنا وقالت هاجر: الحب لا يعرف التملك، لأن التملك فيه خنق وإهلاك لذلك فإن إن أكبر معاناة للمرأة في مجتمعنا أن يحاول الرجل السيطرة على مساحة الحرية التي تحتاجها من وقت لآخر، فالرجل غير مسموح أن نطالبه بتقديم كشف حساب لزوجته كلما دخل أو خرج، بينما المرأة تحاسب على كل خطوة تخطيها بعيدا عن أعين زوجها أو حتى ذويها، وهذا كبت لشخصيتها وحريتها". عندما يحضر التملك يرحل الحب في هذا الصدد تعلق الاختصاصية الاجتماعية لمياء. م قائلة: قد يعاني الفرد من حبه لتملك كل الأشياء حتى لو لم يكن في حاجة إليها ويكون ويجد دوما أن الاستقرار والطمأنينة اللذان يحوزهما لن يأتيا إلا بتملك كل شيء وأي شيء من هنا يعرف هذا الشخص بداء نفسي يسمى حب التملك، الذي هو الرغبة في امتلاك الآخر والتحكم في مسار حياته، لأنه من وجهة نظر تابع له وليس شخصا مستقلا بذاته، متناسين أو متجاهلين أن العلاقة الزوجية هي علاقة احترام وحب متبادل والاحترام لا يقل أهمية عن الحب، وإذا ما أخذ الاحترام مكانته الطبيعية في العلاقة الزوجية فإن الطرفين يتوقفان عن تقييم علاقتهما على أساس الأشياء الصغيرة مثل غياب الرجل عن البيت لبعض الوقت أو تقصير المرأة في هذا الواجب الثانوي أو ذاك وعندما يتجاوز الزوجان تلك النظر الجزئية في الحكم على بعضهما بعضا يصبح كل منهما قادرا على التأقلم مع الآخر كما هو بسيئاته وايجابياته وبوجوده مع أصدقاء أو في البيت. فالاحترام هو الضمان البديل لتماسك الأسرة وهو يكبر ويترعرع عندما يكون كل واحد من الطرفين مستعدا للاعتراف بخصوصية الآخر وبحاجته إلى أن يعود إلى ذاته كلما شعر بتوق لذلك، وعندما يقضي الحب والزواج على الحيز الفردي للمرء، فإن الوضع يكون قد خرج عن النطاق الطبيعي وتحول من عاطفة رائعة إلى حكم ديكتاتوري.