يحلم الأهل دوما بأن تجد بناتهم النصف الثاني المثالي لتأسيس عشهن الخاص، ولو عزّ عليهم فراقهن. غير أن ولوج حواء لعالم الشغل غيّر من هذه الحقيقة عند الكثير من البيوت الجزائرية التي يقف بعضها حجر عثرة أمام كل عريس يطرق الباب، لأنه سيسلبهم مصدرا للمال، غيابه سيربك ميزانية العائلة، أو خوفا من عريس طامع. نسيمة، نورة، كريمة وأخريات، طال انتظارهن لفارس أحلامهن وتحقيق حلم الأمومة المؤجل إلى حين، ليس لأنهن رفضن العرسان أو فرضن شروطا تعجيزية على من يبدي نية الارتباط بهن، لكن لأن أولياءهن يوصدون الباب في وجه كل طارق راغب في الارتباط بهن، والسبب مرتبهن الذي يضمن مدخولا أساسيا للعائلة أو خوفهم من طمع العريس في هذا الراتب. نسيمة.. ''سأقف في وجه أقرب الناس لتحقيق حلم الأمومة'' وفي هذا الصدد تروي نسيمة ابنة 38 ربيعا بأسى قصتها مع والديها اللذين كانا سببا رئيسيا في بقائها دون زواج، على حد تعبيرها، رغم أن عروض الزواج لم تتوقف يوما، وقد تجاوزت عتبة الثلاثين بسنوات. تقول نسيمة، وهي طبيبة نساء، ''لم أتوقع يوما أن يتسبب أقرب الناس إلي في منعي من الارتباط، وتحطيم أحلامي بتكوين أسرة مثل رفيقاتي وقريباتي، لكن هذا ما حدث ويحدث إلى اليوم. ..أتذكر أنني كنت بعد في سنتي الأولى في الجامعة عندما عبر لي زميل يكبرني بسنوات عن نيته في الارتباط بي، ولأني وجدت فيه مواصفات تتمناها أي فتاة في شريك حياتها عرضت الفكرة على أهلي، غير أن الرفض كان الجواب، والسبب أنني أمام مشوار دراسي طويل وتخصص يتطلب تفرغا تاما يحول دون الارتباط. تفهمت الأمر واقتنعت بالجواب، وسايرتهم في الأمر إلى أن أنهيت دراستي، رافضة كل عروض الزواج. لكن مع استمرار الأمر مع بداية الحياة العملية، ثم مواصلتي التخصص في طب النساء تحول الأمر إلى كابوس، فكان والدي يجد ألف عيب في كل عريس جديد، إما أنه ليس من مستواي الثقافي، أو أنه سيوقفني عن العمل، وأهم شيء أنه طامع في مرتبي، خاصة أنني أمنت لنفسي سيارة وأنتظر استلام شقة، وهو ما زاد من إصرار والدي على الرفض. واليوم أنا أمام عريس جديد، ليس في نفس مستوى من سبقوه ماديا وثقافيا، لكنني أصر على الموافقة، فأنا أقترب من عتبة الأربعين، ومستعدة للوقوف في وجه أقرب الناس إلي لتحقيق حلم الأمومة''. نورة.. ''والدي أطلق سراحي برصيد بنكي فارغ'' وإذا كان سبب منع نسيمة من الارتباط هو خوف والدها من طمع العريس المفترض، الذي قد يسلبه سنوات تعبه في تعليمها لتستقل بحياتها المادية، فحالة نورة تختلف بكثير، لأن والدها حاول بكل السبل أن يبقيها في بيته ويمنعها من الارتباط، لأن مرتبها المصدر الأساسي لمدخول العائلة. تقول نورة، 35 سنة، أستاذة الأدب العربي، عن قصتها مع والدها الذي لم يطلق سراحها لولوج بيت الزوجية إلا بعد تدخل العائلة الكبيرة: ''والدي موظف متقاعد تعب وشقى كثيرا في تعليمنا، ولم يبخل علينا يوما لنصل وإخوتي إلى ما نحن عليه اليوم، وكان في قمة السعادة وهو يرانا نستقل عنه ماديا، ونشارك في مصاريف البيت، خاصة أن مرتب تقاعده لم يكن يكفي لذلك. ..ولأنني البنت البكر أخذت مسؤولية مصاريف البيت مبكرا، لكنني لم أدرك أهمية الأمر إلى أن تواصل رفض والدي للعرسان، آخرهم أستاذ زميل في الثانوية، فوالدي عبر لأمي مباشرة عن خوفه من أن يمنعني زوجي المستقبلي من مساعدة أهلي في مصروف البيت أو المساهمة في دفع أقساط البيت التساهمي الذي اقتناه، ولك أن تتصوري شعوري عندما أبلغتني والدتي بمخاوف والدي، وكانت هذه القطرة التي أفاضت الكأس، لأقف في وجه والدي، وبمساعدة العائلة الكبيرة توصلنا إلى إقناعه بالموافقة، لكن بعد أن دفعت كل تكاليف الزفاف من المناديل الورقية إلى قاعة الحفلات وتكاليف العشاء، فولجت بيت الزوجية كما تخرجت من الجامعة، برصيد بنكي يساوي الصفر وبالدين أيضا. لكن كل شيء يهون في سبيل تحقيق حلم تأسيس عش الزوجية''. ميراث عائلي يحرم كريمة من عش الزوجية وإن كانت نورة قد تمكنت، أخيرا، من تحقيق حلم الارتباط، فكريمة التي أطفأت شمعتها الأربعين قبل شهر، فقدت الأمل نهائيا في الزواج، وهي الأخرى كان والدها سببا، ولو بطريقة غير مباشرة، في الحيلولة دون ارتباطها، رغم أنه توفي وهي بعد في الثامنة عشرة. تقول قريبة كريمة التي روت لنا حكاية قريبتها إن والد كريمة ترك إرثا مهما لأبنائه، قسمه بينهم بالعدل قبل وفاته، حيث يشترك الأبناء في ملكية بضواحي العاصمة هي عبارة عن محطة للبنزين ومقهى ومركز تجاري، يديره أشقاؤها الذكور. هؤلاء كانوا السبب الرئيسي في منع كريمة من الارتباط. تقول محدثتنا: ''تسبب زوج الأخت الكبرى لكريمة في شقاق في العائلة، بعد إجبار زوجته على بيع حصتها من ميراث العائلة لشخص غريب، وكاد الأمر أن يتسبب في إفلاس العائلة لغياب السيولة المادية وقتها، قبل أن يضطر الأشقاء لبيع قطعة أرض من ميراث الأب، فكان طمع هذا الزوج وراء خوف الأشقاء من كل من تقدم لطلب يد كريمة التي بقيت دون زواج إلى اليوم، وهي ترى قريباتها وصديقاتها وحتى بنات إخوتها اللواتي تربين على يدها يتزوجن تباعا، فيما لا تزال هي تنتظر فارسها الذي قد لا يأتي أبدا''.