كثيرًا ما ترتبط الذكرى بقرح أو فرح، بمَسرّة أو مضرّة، تزيد المرء من أثرها بتاريخ حزن وألم أو تباشير جذل وأمل، وهذه سُنّة الحياة. لعلّ في ذكرى عاشوراء ما يجعلنا نجثو على الركب، نستلهم العبر، ونستنبئ خبر من غبر، كيف لا وقد دخل النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، المدينة مهاجرًا، فوجد اليهود يصومون عاشوراء، فسأل عن سبب ذلك، فقالوا هو اليوم الّذي نجّى الله فيه موسى من اليهود.. فصامه شُكرًا لله على هذه النعمة، وتعبيرًا عن فرح سكن القلب وطمأن الفؤاد. هكذا ديدن المؤمن، يستقبل النعمة بالشكر، والنقمة بالصبر.. ''فنحنُ أحق وأولى بموسى من اليهود''. وقد اختلف أهل العلم في كون صيام هذا اليوم كان واجبًا قبل فرض رمضان أم سُنّة مذهب أحمد، وقال غيره بأنّه كان متأكّد الاستحباب. ولا شك أنّ مرد ذلك أفضلية عاشوراء، حيث رُوِي ''أنّ يوم عاشوراء كانت تصومه الأنبياء''، كما في حديث بقي بن مخلد في مسنده. وأنّه ممّا رُوي فيه أنّه هو اليوم الّذي تاب الله فيه على آدم عليه السّلام. وفي حديث: ''هذا اليوم تاب الله فيه على قوم فاجعلوه صلاة وصيامًا''، وقيل هم قوم يونس عليه السّلام. ومهما يكن من أمرٍ، فإنّه يكفينا ما ورد في فضله في صحيح مسلم عن أبي قتادة أنّ رجلاً سأل النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، عن صيامه فقال: ''أحتسب على الله أن يُكفِّر السنة الّتي قبله''. وإنّ من معاني الفرح الّتي تجلّل هذه الذكرى، وتشرك الأهل جميعًا صغيرًا وكبيرًا، ما جاء في حديث: ''مَن وسّع على أهله يوم عاشوراء، أوسع الله عليه سائر السَنَة''، وليس من الهدي أن يتّخِذ مندبه أو مأتمًا، بل هو يوم فرح وسعة، يغمر الأسرة المسلمة كلّها. الزكاة وعاشوراء وإنّه ممّا درج عليه الكثير إخراج زكاة أموالهم في عاشوراء، وليس ذلك بواجب قطعًا، إلاّ إذا صادق حول المُزكّي وسنته هذا التاريخ، لأن لكلّ صاحب مال أو مشروع مهما يكُن، فإنّ ذلك معتبر إن صادق سنته الزكوية، وعلى اعتبار أنّ النّاس ينظرون إلى سنة هجرية مضت، ويستقبلون عامًا هجريًا آخر يجعلهم أكثر تذكرا لحق الفقراء من مال الأغنياء. والزكاة فريضة إسلامية، وركن من أركان الدِّين بنص الكتاب والسُنّة والإجماع، لا يمادي في ذلك إلاّ مكابر، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''بُنِي الإسلام على خمس، وذكر....... وإيتاء الزكاة''. وهي حق معلوم فرضه الله تعالى على مَن ملك النِّصاب بشروطه يرد على الفقراء. وإنّ من ثمار الزكاة ما هو مادي وما هو معنوي، فمِن ذلك القضاء على الشح والبخل وأمراض النّفس البشرية الّتي تحب الكنز وتسرف في التملك، ممّا يجعل المرء مانعًا لحقوق غيره. ثُمّ إنّ الزكاة نماء للمال وزيادة له لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''ما نَقُصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ''، وقال أيضًا عليه الصّلاة والسّلام: ''حَصِّنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة، وأعدوا للبلاء الدعاء''. وفي حديث رائع ما أعظمه لو أدرك مغزاه كلّ غَنِيٍّ: ''مَا ضَاعَ مَالٌ فِي بَرٍّ وَلاَ بَحْرٍ إلاّ بِمَنْعِ الزَّكَاة''. إنّ هذه الشعيرة الدينية تجعل المجتمع في مأمن من كلّ آفة وفي حصن من كلّ جائحة، أمّا إذا منعت حقوق الفقراء، وهمست شريعة لا يستهان بعددها في المجتمع، فإنّه يوشك أن ينفجر بركان الحقد والغضب، ويحدث في الأرض الفساد لا ندري أوّله وآخره، والله يتولانا انا بحفظه وإذا نحن تحقّقنا بقوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ''.