رصد المفكر الفرنسي دانيال ليندنبرغ منذ أسبوع، في حوار مع يومية ''لوموند'' مواقف المثقفين الفرنسيين من ثورة شباب 25 جانفي في مصر، ولخصها بقوله ''يعتقدون بأن الشعوب العربية شعوبا متخلفة عقليا، لا ينفع معها سوى سياسة العصا''. وسبق لدانيال ليدنبرغ، وأن نشر كتابا مرجعيا بعنوان ''المحافظون الجدد''، انتقد من خلاله الطبقة المثقفة في فرنسا، ووصفها بالرجعية. ويندرج كتابه ضمن تقليد نقدي أسسه المفكر جيل ليبوفيتسكي إثر نشره كتاب ''عصر الفراغ''. وكلاهما يقدمان نقدا لاذعا لواقع الثقافة الفرنسية ضمن ما يسمى بخيانة الوصايا. جاءت إشارة ليندنبرغ في حواره مع لوموند، للتعليق عن مواقف المثقفين الفرنسيين الأكثر ظهورا في وسائل الإعلام اليوم، ويقصد آلان فينكينكرولت، بيرنار هنري ليفي، ألكسندر آدلر، وأندري غلوكسمان، باعتبارهم المثقفين الأكثر تأثيرا، من بروز بوادر الانتقال الديمقراطي في العالم العربي، وبالأخص في تونس ومصر.. بحيث اصطبغت مواقفهم بالخوف والرفض، والقول الصريح بأن الديمقراطية عملة غربية لا تصلح لشعب عربي يوجد فيه حركة إسلامية قادرة على الاستيلاء على السلطة في حالة وقوع الانفتاح، فسارت مواقفهم على خطى تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي تحدث عن ''الخوف من الأسوأ''. مثل هذه المواقف الغارقة في العنصرية والكراهية حتى الأذنين، والتي تحاول الإنقاص من قيمة الشعوب العربية، نجدها في مقال لأندري غلوكسمان حول ما يحدث في مصر، ومما جاء فيه ''ليس من حقنا أن نستنكر سقوط طاغية(...) لكن رجاء لا تمدحوا هذه الثورة، فالأخطار تحدق بها من كل جانب''. ومن جهته كتب ألكسندر أدلر مقالا ''بالفيغارو''، صب فيه جما غضبه على الدكتور محمد البرادعي، مذكرا بمواقفه لما كان على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معتبرا إياه مواليا للنظام الإيراني. وعنون أدلر مقاله ''نحو ديكتاتورية متطرفة في القاهرة''. فالعرب عند أدلر وأمثاله كلهم سواء، حتى ولو كانوا مثقفين ليبراليين وبرجوازيين وحداثيين مثل الدكتور البرادعي. أما آلان فينكينكرولت، فاعتبر أن الديمقراطية عبارة عن ثقافة، وألمح ساخرا إلى أن الشعوب العربية لا تملك هذه التقاليد. فالديمقراطية حسبه موجودة في جينات الشعوب أو غير موجودة. والعرب حسب اعتقاده لا يملكون تقاليد الديمقراطية في جيناتهم. مثل هذه المواقف العنصرية لها صلة بإسرائيل وبوجودها، فهؤلاء المثقفون هم يهود موالون للدولة العبرية، حتى إن باسكال بونيفاس استغرب في مقال نشره بأسبوعية ''لونوفيل أوبسيرفاتور''، من مواقفهم المخزية. وكتب بكثير من الجرأة وبصريح العبارة عن التحيز المفضوح لإسرائيل الذي يبديه المثقفين الفرنسيين الأكثر ظهورا في وسائل الإعلام ملمحا إلى ''الكارتل'' الذي يشكله كل من فينكينكرولت، ليفي، أدلر، وغلوكسمان. وذكرهم بوجود حزب متطرف في حكومة نتانياهو حاليا هو حزب ''شاس''، وحزب عنصري هو ''إسرائيل بيتنا''. معتبرا أن الحديث عن التطرف الديني لدى هؤلاء المثقفين يخص المجتمعات العربية دون غيرها. نلمس من مثل هذه المواقف، وجود خوف يسكن المثقفين الفرنسيين. خوف ليس على الديمقراطية، بل على إسرائيل. وهي إشارة واضحة للأنظمة الغربية لحثها على الاستمرار في دعم الخيارات السياسية اللا ديمقراطية التي تضمن للدولة العبرية بقاءها على حساب انتقال الشعوب العربية نحو المرحلة الديمقراطية. وكأن القمع السياسي المنتشر في أي دولة عربية، هو الذي يضمن بقاء إسرائيل ''كواحة ديمقراطية'' في الشرق الأوسط. أعتقد بأن مثل هذه المواقف تعبر عن انتكاسة حقيقية. وتؤكد الانغلاق الصريح في أفكار مسبقة عن الشعوب العربية، وهو ما دفع الروائي المصري علاء الأسواني منذ بضعة أيام إلى الغضب والثورة، وتذكير صحفي فرنسي بأن الشعب العربي قادر على تحقيق الانتقال الديمقراطي، بدليل أن مصر عرفت أول برلمان لها في منتصف القرن التاسع عشر. أعتقد في الأخير، بأن ما يجري حاليا في العالم العربي يدفع المرء إلى أحضان عصر النهضة، فهي المرجعية وهي العصر الذهبي.