الثوار: ''الوقت الآن للثورة وإسقاط الطاغية وليس للمحاسبة'' رأس الصحفي ب100 ألف دولار وعضو المجلس الانتقالي ب250 ألف درهم بدأت المخاوف على الثورة الشعبية في ليبيا تتزايد، ليس على صعيد العمل العسكري الذي تقوم به قوات القذافي، ولكن على الجسم السياسي الذي يقود الثورة ممثلا في المجلس الانتقالي في مدينة بنغازي معقل الثوار. وبدأ التخوف من وجود طابور خامس مازال يحن إلى الموالاة للقذافي، وقد تستيقظ فيه حمية الولاء للنظام بين الحين والآخر، إذا ما مالت الكفة قليلا إلى القذافي. هذا الطابور من المخلفات السابقة لنظام القذافي، ليس هو فقط من يشكل الخطر الأكبر على تلك الثورة التي يحاول النظام بكافة الأشكال والوسائل تحويلها لحرب أهلية. فثورة ليبيا لا يخاف عليها من قوة السلاح الذي يمتلكه العقيد القذافي، ومهما كان الدمار والشدة والقوة إلا أنها تبقى أسلحة فاشلة، كما فشلت قبل شهر تقريبا في طبرق وبنغازي وأجدابيا والبريقة.لكن الخوف على الثورة كل الخوف يأتي من الطابور الخامس. منذ دخولنا إلى ليبيا، كنا نسأل الثوار عما إذا كان الطريق مؤمنا، وكان الثوار يجيبوننا بأنه مؤمن بالكامل من ''امساعد'' على الحدود الليبية المصرية حتى ''بنغازي''، إلا من بعض الشباب الذي يحاول السرقة أو البلطجة على أطراف تلك المدن. لم نبال بأية مخاوف في البداية، لكن وبعد عدة أيام وقع هجوم على فندق ''أوزو'' الذي نزل فيه أكبر عدد من الصحفيين من جميع الوكالات والقنوات، على غرار ''بي بي سي'' و''الحرة'' و''الجزيرة'' و''سي أن أن'' و''أي بي أس'' وغيرها. وكان الثوار يعدون الصحفيين بتأمين عال ومكثف للفندق من أماكن حوله غير معروفة، حتى استهدف الفندق في الثالث مارس، ووقعت اشتباكات وإطلاق للنار حول الفندق، وبعدها بيومين حدث هجوم آخر قريبا من الفندق، وفي الثامن مارس سمعنا صوت دوي انفجار أدى إلى تهشيم الزجاج في واجهة الفندق، وطلقات نارية ظاهرة على زجاج الفندق، بالإضافة إلى وجود علامات بارزة في الأرض تؤكد أن قنبلة يدوية الصنع تم إلقاؤها على الفندق الذي يقيم فيه الصحفيون. الصحفيون في مزاد كتائب القذافي من هنا بدأت المخاوف، من وجود طابور خامس، وتأكد لي ذلك شخصيا عندما تعرضت لمحاولة ترهيب وتخويف وتهديد من قبل مجهولين يعتقد ولاؤهم للقذافي. فخلال عودتي من مدينة راس لانوف، كنت على متن حافلة للنقل العام، لهروب معظم سيارات الطاكسي، وصاحبني في الرحلة أحد الصحفيين الإيطاليين ويدعى ''جوفاني''، وخلال توجهنا من مدينة البريقة إلى مدينة أجدابيا، انتبه أحد الركاب في الحافلة إلى أننا صحفيين أجانب، وكان يبدو عليه التأثر بأفكار معمر القذافي، فقال لي: ''هل تعلم أن ثمنك عند العقيد القذافي هو 100 ألف دولار وثمن الأجنبي 125 ألف دولار''. لم يكن كلام هذا الليبي سوى ترجمة لحالة من الشحن التي قام بها النظام الليبي، وتحريضه على خطف الأجانب وبيعهم لكتائب القذافي. خفت في البداية، رغم أن الثوار كانوا قد حصلوا على رقم العربة، قبل أن نستقلها وقاموا بتصوير من ركب معنا، لمنع أي محاولة من جانب أي شخص للغدر بنا. وشدد الثوار قبل ذلك على أن أي شخص يثبت تعاونه مع كتائب القذافي سيكون مصيره الموت، وبدأت في قراءة القرآن والأذكار، وتوجهت إلى هذا الليبي بالحديث عن أهمية الهدوء من الجانبين وضرورة التصدي لأي محاولة للتواجد الأجنبي، مؤكدا أن وجودي كصحفي في ليبيا هو لنقل الخبر وليس للتحيز لطرف دون الآخر. لم يفعل شيئا، لكنه رد عليّ بالقول: ''يبدو أنكم ناس غلابى''. أحسست حينها أن اللجان الثورية التي يعتمد عليها القذافي تحاول المقاومة وامتلاك زمام المبادرة في المناطق المحررة، ووضع خطة لاستهداف الصحفيين، خاصة المصريين والعرب وشباب الثورة، ممن يستطيعون استخدام الأنترنت، على أن يكون ثالث المطلوبين لدى اللجان الثورية الشباب ممن يحملون الآن السلاح، أي الثوار المسلحين، أما السياسيون فليس منهم الخوف ويمكن إسكاتهم بالمال أو بالتخويف أو بالخطف.وبين يوم وليلة تحولت التهديدات الخفية إلى معلنة، وراح أول شهداء الإعلام في ليبيا، وكان مصور الجزيرة ''علي حسن الجابر'' بعد تعرض فريق القناة لكمين مسلح قرب بنغازي، حيث تلقى ''علي'' رصاصة في الصدر اخترقت القلب، ولم يكن كمين الجزيرة أول كمين، فقد كانت هناك محاولات من قبل، حيث تعرض بعض المراسلين لإطلاق النار من قبل اللجان الثورية والموالين للقذافي في بنغازي، على غرار المراسل مسلم قنديل، عند توجهه للقاء وزير الداخلية الليبي، عبد الفتاح يونس في بنغازي. ومنذ بدء الثورة في ليبيا، ظلت الطواقم الإعلامية أكثر استهدافا من قبل اللجان الثورية وكتائب القذافي، وبلغنا أن أبرز المواقع المستهدفة في بنغازي، من قبل القذافي، كان مبنى المركز الإعلامي حيث المقر الوحيد للأنترنت (تو واي القمر الصناعي) في المدينة. أين اختفت اللجان الثورية في بنغازي؟ وكما قيل لنا في مدينة ''أوزو'' الليبية، كل شيء في ليبيا له ثمن لدى القذافي، فرأس رئيس المجلس الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، يقدر ب400 ألف درهم ليبي، والعضو بالمجلس الانتقالي ب250 ألف درهم ليبي، والصحفي العربي المصري ب100 ألف دولار، والصحفي الأجنبي ب150 ألف دولار، وقد يكون هناك ثمن لصحفيين أو مراسلين معينين، وهذا وفقا لما أعلنه التلفزيون الليبي بشكل رسمي. ويلاحظ أن القذافي وضع مقابل المطلوبين من الليبيين مبالغ بالدرهم الليبي، والأجانب مقابل الدولار. كل هذا جعلني أتساءل عن الطابور الخامس ورجال القذافي واللجان الثورية، التي اختفت بسرعة من بنغازي ومن المدن التي باتت تحت سيطرة الثوار. فالجميع يعرف أن للقذافي تشكيلات عديدة، فهناك اللجان الثورية واللجان الشعبية ومواليد الفاتح. حملنا هذه الأسئلة إلى بعض الشباب السياسيين، فقال لنا (إ. ح)، شاب في نهاية العشرينات من عمره: ''بالفعل هناك من اللجان الثورية من يقول إنه مع الثوار وأنه سيدافع عن بنغازي وحمل سلاحه وانضم إلى الصفوف الأمامية، ولكننا لا نعرف إن كان حقيقيا أن يفعل هذا أم أنه يحاول الخداع''. مضيفا: ''لكننا نعرف أن الكثير منهم توجه مباشرة إلى مصر أو هرب إلى طرابلس ليبقى بالقرب من العقيد يدافع عنه وقت الهجوم، أو ليلعن أنه سيبقى على العهد''. أما الشاب (م. ش) فقال لي حين سألته: ''هناك أسماء غير معلنة في المجلس الانتقالي، لأن إعلانها سيكون بمثابة صدمة للشباب الليبي، فمنهم شخصيات مشهور عنها ولاؤها للقذافي وقربها منه، بل إن بعضهم لو أعلن اسمه ستقوم ثورة على المجلس الانتقالي''. وأضاف: ''نعتقد أن هناك طابورا خامسا في المجلس الانتقالي قد لا يعرفه البعض، ولكن القذافي كثيرا ما يستخدم المال لشراء الذمم، ولا يخفى على أحد أن هناك في المجلس الانتقالي شخصيات قد تميل إلى القذافي''. وعن طبيعة عمل تلك التشكيلات التي كانت تتبع القذافي، قالت لنا الشابة (ح. س)، إن اللجان الثورية كانت لها طبيعة واحده هي تدمير ليبيا، والعمل على إبقاء القذافي حاكما وسيدا طوال عمره، ودور بعضها كان التعذيب والتنكيل بالمعارضين، أما اليوم فسيكون دورها جمع المعلومات وبث إشاعات الغرض منها الإحباط والتآمر على الثوار ومحاولة اختطاف شخصيات والقتل. والآن يقف الثوار بين المطرقة والسندان، بين مطرقة الآلة العسكرية التي يمتلكها القذافي، وبين مخاطر والمخاوف من طابور خامس من أصحاب الأيدي الملوثة والموالين للقذافي الذين تسللوا إلى جسم الثورة.