بعد إسقاط الثورة الشعبية في تونس للرئيس زين العابدين بن علي... وبعد أن بلغت نظيرتها الثورة المصرية في صراعها مع الرئيس المجبر على التنحي، حسني مبارك، نقطة اللارجوع... ثم ظهور بوادر الانفجار في جماهيرية القذافي... وبعد تطورات مطالب التغيير الشعبي في اليمن... بعد كل هذا... بدأ بعض علماء الاجتماع والكثير من المحللين السياسيين والمراقبين ورجال الفكر، يثيرون العديد من التساؤلات عن معنى ودوافع ومبررات هذه الانفجارات في المنطقة العربية دون غيرها من المجتمعات الأخرى في عالم اليوم، ولعل ما يدفع للتأمل أكثر هو أن هذه الانفجارات مست أنظمة يمينية تابعة للغرب وعميلة له، كما هو حال نظام حسني مبارك في مصر، ونظاما يساريا ثوريا كما هو حال نظام العقيد معمر القذافي، ونظاما مصنفا في خانة ما يعرف في عالمنا العربي بالأنظمة الوطنية المعتدلة، والتي يقال عنها إنها هادئة ومستقرة، كما كان عليه حال نظام الرئيس علي عبد الله صالح في اليمن، ومست كذلك نظاما متحكما في أوضاعه ويستند في طابعه المحافظ إلى نظرية مواجهة تحديات خارجية معادية للعرب كيانا ومصيرا، كما هو حال نظام آل الأسد في سوريا الذي يستمد شرعيته من تبنيه لنهج ومنطق المقاومة ورفض التبعية ومواجهة قوى الهيمنة والاستكبار العالمي... بمعنى أدق وأوضح... مست الهزات التي نعيشها كل أشكال الأنظمة الحاكمة أو المتحكمة في العرب... من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولو في المنطق العربي، وليس اليميني أو اليساري التقليديين المعروفين. الآن وقبل أن نعرف ويعرف العالم والمتتبعون لتطورات أحداث المنطقة نهاية ''معركة الشارع العربي'' مع حكامه، هل يمكن أن نصف ما يجري في غير خانة أن الدولة العربية التي أنتجتها ثورات الاستقلال قد وصلت إلى نهايتها؟ لكن إذا كان الأمر كذلك، وهو بالفعل كذلك... فهل العيب في دولة الاستقلال، أم في ذهنية الحكام الذين رفضوا مسايرة مستجدات كل مرحلة، أو بمعنى آخر رفضوا التجدد والتجديد فساروا برغباتهم وبإرادتهم نحو التبدد الحتمي والخروج المهين من التاريخ؟ لا شك أن الأنظمة العربية الحاكمة... حكاما قبل أن تكون مشاريع ومناهج، هي من أوصل الأوضاع إلى الإفلاس الذي نعيشه ولا ينكره حتى هؤلاء الحكام، بدليل إعلانهم وتبنيهم وتحركهم نحو ما يسمونه بمشاريع الإصلاح، وهو ما يعني بالضرورة اعترافا صريحا بالفشل، وإلا ما معنى التحرك باتجاه إصلاح ما هو قائم لو لم يكن هذا القائم قد فشل، فهل بإمكان الفاشل أن يأتي بعد التجربة الطويلة والمديدة بالجديد، أم الأجدر به والأفيد منه، أن يفسح المجال للجديد حتى يجدد أو يأتي بالجديد؟ على الحكام العرب أن يدركوا أن مرحلة من التاريخ العربي الحديث قد انتهت... وعليهم أن يدركوا أكثر أننا قد دخلنا مرحلة جديدة لا تنفع معها إلا ذهنيات جديدة وبالضرورة رجال جدد. [email protected]