إذا أردتَ أن تعرفَ حاضرَ أيَّ أمَّة ومستقبلَها فتحسَّسْ مجالسَها وأحاديثَ النّاس ومجالسَهم وحواراتِهم عمّاذا يتحدّثون؟ وما الذي يشْغَلُهم؟ وما هي اهتماماتُهم أو ما الهموم التي يحملونها؟ همومُ النّاس واهتماماتُهم التي تملؤُهم ويقضُون من أجلها أوقاتَهم ويفنُون أعمارَهم مؤشِّر بارز على حاضر أيِّ أمّة ومستقبلِها، ولهذا فقد نال أصحابُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّيادةَ والرِّيادَة، لأنّ اهتماماتِهم كانت عالية... كثيرون منهم يأْتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يا رسولَ الله: دُلّني على عمل يُدخلني الجنّة ويُباعدُني عن النّار..، يا رسولَ الله: ماذا يُنجي العبد من النّار؟... يا رسولَ الله: أَوصني... يا رسولَ الله: أيّ الأعمال أفضل عند الله؟... أسئلةٌ كثيرةٌ تدلّ على اهتمامات تملؤُهم وتملأُ حياتهم. ولهذا فقد جاء فقراء الصّحابة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشكون الأثرياء الأغنياء، أتدرون من ماذا؟ لأنّهم سبقوهم بالأجور، فقالوا يا رسولَ الله: ذهب أهلُ الدُّثور بالأجور... وهذا ربيعة بن كعب رضي الله عنه يقول: كنت أَبيت عند رسول الله آتيهِ بوضوئه وحاجته فقال لي رسولُ الله سلْنِي حَاجَتَك، هذا بابٌ عظيمٌ للسّؤال فُتح على كعب لو فُتح على الواحد منّا لشَرَّق به وغرَّبَ، ولكنّ كعبًا كان يَشْغَلُه أمرٌ عظيمٌ، فقال: يا رسولَ الله أسألك مُرَافقتَك في الجنّة، قال: فَأَعِنِّي على نفسِك بكَثْرَة السّجُود. فما الذي يشْغَلُنا اليوم ويملأ حياتَنا؟ من الُملاحَظ أنّ الذي يهُمُّ كثِيرٌ من النّاس هو الحديث عن الآخرين ومراقبتِهم، ماذا كسب فلان؟ وماذا خسر؟ ولماذا؟ وكيف؟... تساؤلات سقيمة تنزل بأصحابها وباهتماماتِهم إلى مكان سحيق ولهذا كرَّهَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الإنحذار، فقال: إنّ الله كَرهَ لكُم قيلَ وقَال وكثرةَ السُّؤال وإضاعة المال. إنّنا لن نتغيّر، ولن نتحسّن ونرتقي، إلّا إذا ارتَقَيْنا باهتماماتِنا، هناك أمورٌ كثيرةٌ مُهِمَّةٌ ومُفيدةٌ ينْبغي أن تكون داخلَ دائرةِ اهتماماتِنا، فإن كنا نعاني مثلا من ظاهرة الجهل والأميّة والعزوف عن القراءة والكتاب - وهذا واقع- كان علينا أن ينْصَبّ اهتمامُنا في مجالسنا وحواراتِنا ولقاءاتِنا في فضل العلم والتعلّم وأهميّة القراءة والثّقافة. وإذا استحضرنا أهميّة تربيةِ الأبناء ينْبَغي أن يكون همُّ الأمِّ .. كيف تجعل من ابنتِها أُمًّا صالحةً، واهتمامُ الأبِ.. كيف يجعل من أبنائه أبناءً صالحين ناجحين لأمّتهم وبلدهم نافعين. بهذا سوف نرقى إلى الأفضل والأحسن والأرقى، فنسعدْ ولا نشقى، والآخرةُ خيرٌ وأبْقَى. *إمام مسجد التّقوى حاسي الرمل - الأغواط