نشرت صحيفة الخبر، يوم الأربعاء 15 جوان 2011، مقالا، في صفحتها الثقافية، يتكلم عن كتاب جديد، للكاتب أحمد بشيري، سلّط الضوء فيه على القناديل التي أشعلت فتيل النهضة الغربية، وعنوانه ''العقل والحضارة''. غير أن الكتاب رغم نفاسته ومتعته، إلا أنه أسقط قنديلا شديد الإنارة وهو أبو حامد الغزالي، الأب الروحي لديكارت، فأرجو أن تنشروا لي هذه المساهمة البسيطة عن الرجل. عنيَ جلّ الذين كتبوا حديثا عن الغزالي وترجموا له، بين شكه الذي انتابه في رحلته المضنية إلى المعرفة، والشك الذي اصطنعه على غراره ''ديكارت''، رائد الفلسفة التجريبية في الغرب (1596 - 1650)، ولست الآن بصدد المقارنة بين الشك الذي اجتازه الغزالي، والذي تحدث عنه ديكارت وجعل منه مدرسة تُقتفى ومنهجا يتّبع، كما صنع الدكتور سليمان دنيا وكثير من الكتّاب، وإنما يهمّني أن ألفت النظر إلى ما انتهى إليه الدكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه ''المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت''، طبقا لما نقله عنه الأستاذ محمود بيجو، في مقدمة تحقيقه ل''المنقذ من الضلال''، مدعوما بالشواهد والوثائق، من أن ديكارت إنما انتحل السيرة الذاتية التي كتبها الغزالي عن نفسه، فيما يتعلّق برحلته إلى المعرفة، ومطبّات الشكوك التي مر بها واجتازها، ثم تبناها منهجا صادرا عن شخصه، وأخفى علاقة ذلك بمصدره الحقيقي، وهو الغزالي، عن أعين قرائه الأوربيين وأفكارهم، بغطاء غير حاجز، بتحوير بعض العبارات، وتغيير بعض المصطلحات الإسلامية، إلى نظائرها من المصطلحات الدينية العامة. ثم ظهرت الوثيقة التي قضت على كل احتمال وتردد في هذا الموضوع، والتي نقلها الأستاذ محمود بيجو، عن الدكتور زقزوق، من أن الباحث التونسي عثمان الكعاك، رحمه الله، عثر في مكتبة ديكارت على ترجمة لكتاب ''المنقذ من الضلال''، ورأى أن ديكارت استوقفته عبارة الغزالي الشهيرة: ''الشك أول مراتب اليقين''، ووضع تحتها خطا أحمر، ثم كتب عندها على الهامش ما نصه: ''يُنقل هذا إلى منهجنا''. وقد استندنا في ردّنا هذا على الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي. الدكتور خلف الله ميلود جامعة محمد خيضر بسكرة (كلية الحقوق)