هذه الغزوة هي امتداد لغزوة حنين، وذلك أنّ معظم فلول هَوَازن وثَقِيف دخلوا الطائف مع القائد العام، مالك بن عوف النَّصْرِي، وتحصّنوا بها، فسار إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد فراغه من حنين وجمع الغنائم بالجعرانة، في الشهر نفسه شوال سنة 8 ه. وقدم خالد بن الوليد على مقدمته طليعة في ألف رجل، ثمّ سلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الطائف، فمرَّ في طريقه على نخلة اليمانية، ثمّ على قَرْنِ المنازل، ثمّ على لِيَّةَ، وكان هناك حصن لمالك بن عوف فأمَرَ بهدمه، ثمّ واصل سيره حتّى انتهى إلى الطائف، فنزل قريباً من حصنه، وعسكر هناك، وفرض الحصار على أهل الحصن، ودام الحصار مدة غير قليلة. ولمّا طال الحصار واستعصى الحصن، وأصيب المسلمون بما أصيبوا من رشق النِّبال وبسكك الحديد المحماة -وكان أهل الحصن قد أعدّوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة- استشار رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم نَوْفَل بن معاوية الدِّيلي فقال: هم ثعلب في جحر، إن أقمتَ عليه أخذته، وإن تركته لم يضرّك، وحينئذ عزم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على رفع الحصار والرّحيل، فأمَرَ عمر بن الخطاب فأذّن في النّاس، إنَا قافلون غداً إن شاء اللّه، فثقل عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه؟ فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ''اغدوا على القتال''، فغدوا فأصابهم جراح، فقال: ''إنّا قافلون غداً إن شاء اللّه'' فسرُّوا بذلك وأذعنوا، وجعلوا يرحلون، ورسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يضحك. ولمّا ارتحلوا واستقلوا قال: قولوا: ''آيِبُون تائبون عابدون، لربِّنا حامدون''. وقيل: يا رسول اللّه، ادْعُ على ثقيف، فقال: ''اللّهمّ اهْدِ ثقيفاً، وائْتِ بهم''.