أعاد التصعيد الأمني الذي رافق شهر رمضان الأخير، إلى الواجهة، الجدل حول حقيقة تحكم السلطات في الوضع الأمني، بعد خطابات عديد المسؤولين، الأمنيين والسياسيين، من أنه لم يعد للإرهاب موقع في الجزائر، فيما ساد حديث، تناولته السلطات كحقيقة، وتشير فيه إلى مجرد ''بقايا إرهابيين'' لا تأثير لهم. حتى وإن كانت الضربة النوعية التي استهدفت أكاديمية العسكر بشرشال، الجمعة ما قبل الماضية، اعتداء إرهابيا مباغتا وغير متوقع، كتبرير تستند إليه الأجهزة المختصة في مكافحة الإرهاب، في تأكيد انعزال الجماعات المسلحة داخليا، إلا أن اعتبار تلك الضربة واحدة من عمليات متوالية شهدتها البلاد في مناطق مختلفة من الوطن، خاصة تيزي وزو، دفع الكثير إلى مراجعة ذاتية للخطاب الرسمي الذي شرعت السلطات في الترويج له منذ سنوات قليلة، من أن الإرهاب بات من الماضي، وما تبقى من مسلحين يضربون خبط عشواء، بل ساد الحديث على أن الاعتداءات التي كانت تستهدف من حين لآخر دوريات للجيش أو الدرك الوطني، عبارة عن محاولات ''يائسة'' لفك حصار تكون الأجهزة الأمنية المشتركة قد ضربته على معاقل تنظيم قاعدة بلاد المغرب الإسلامي. وتسعى القاعدة من خلال تكثيف نشاطها إلى إعطاء انطباع بأنها تعرف وثبة نشاط جديدة من خلال ضربات متوالية، واحدة منها ''نوعية'' استهدفت ضباط الجيش بشرشال، إلى الرد على الخطاب الرسمي، لما لعبت على حبال ''دعائي'' يعيد صورتها إلى الواجهة، من خلال استهداف معقل الضباط، بما أتاح فعلا استقطاب ردود فعل محلية، وخاصة دولية، للتنديد بالعمل الإجرامي الذي أودى بحياة 18 شخصا، أبرزها تنديد واشنطن وباريس ولندن. واستفادت القاعدة مما تعتبره ''تشتتا'' في مجهود المؤسسة الأمنية، على الحاصل من تطورات طفحت إلى السطح، وتركيزها على الساحل، في إطار مكافحة التنظيم، في بعده الدولي، بالتنسيق مع الدول الجارة، بالإضافة إلى الانشغال بالراهن السياسي في ليبيا، الأمر الذي تسبب في ترك مساحة في الداخل استغلتها القاعدة لتوجيه ضربات هنا وهناك، رغم أن مسؤولين سامين، بينهم وزير الداخلية دحو ولد قابلية، أكدوا على محاولات يائسة للقاعدة التي تريد ربح دعاية تعيدها إلى الواجهة من جديد. وفيما كانت التقارير الأمنية تشير إلى ''لجوء جماعي'' لما تبقى من إرهابيين صوب المناطق الصحراوية، هروبا من الطوق الأمني الذي فرضته الأجهزة الأمنية في الولايات الداخلية بتدابير أمنية عززت من خلالها تواجدها، عاد الإرهابيون باستراتيجية جديدة ومن باب آخر.