دليل اشتراط المحرم في غير الفرض، ما أخرجه البخاري قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''لا يحل لامرأة تُؤمن بالله واليوم الآخر أن تُسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حُرمة''. فقوله ''حُرمة'' عام في الّذي من النّسب والمصاهرة والرضّاع. ولا يشترط أن تكون المرأة والمحرم مترافقين، فلو كان أحدهما في أوّل المركب والثاني في آخره، بحيث إذا احتاجت إليه أمكنها الوصول إليه من غير مشقّة، كفى. ويُزاد في حقّ المرأة أيضاً أنّه لا يُلزمها المشي البعيد، ويختلف البعد بأحوال النّساء، ولا تركب صغير السفن، لأنّه لا يمكنها المبالغة في التستر عند النوم وقضاء الحاجة. ويجب الحجّ ولو ببيع ما يباع على المفلس من ماشية وعقار وثياب وكتب علم يحتاج إليها، أو بالقدرة على الوصول بسؤال النّاس، إن كان عادته السؤال وطلب الإعطاء. هذا وإنّ المعتبر الاستطاعة الحالية، فإنّ الشخص لا يلزمه التكسّب وجمع المال لأجل أن يحصل على ما يحجّ به، ولا أن يجمع ما فضل من كسبه -مثلاً- كلّ يوم حتّى يصير مستطيعاً. وخالف سحنون فقال: باشتراط الزاد والرّاحلة للاستطاعة، ولو كان له صنعة، أو كان قادراً على المشي. وروى ابن القاسم عن مالك كراهية السّفر في البحر للحجّ، إلاّ لمَن لا يجد طريقاً غيره، كأهل الأندلس. واحتجّ بأنّ الله تعالى قال: ''يأتوك رِجالاً وعلى كلِّ ضامِرٍ: قال مالك: ولم أجِد للبحر ذِكْراً. قال ابن عطيّة: هذا تأنيس من مالك، وليست الآية بالّتي تقتضي سقوط سفر البحر، واستدل هو والإمام الباجي على جواز الحجّ بحراً بما رواه مالك في الموطأ قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''ناس من أمّتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله، يركبون ثَبَج هذا البحر، مثل الملوك على الأسِرَّة''. النيابة في الحجّ لا يجوز لصحيح قادر على الحجّ أن يُوكِّل أحداً يحجّ عنه حجّة الفرض بأجرة أو بغير أجرة، والاستنابة فيه فاسدة مطلقاً، سواء كان المحجوج عنه مستطيعاً أم لا؟ والإجارة كذلك فيه فاسدة لأنّه عمل بدني لا يقبل النيابة، قياساً على الصّلاة والصّوم.