القصة حقيقية ولا تمت للخيال بأية صلة.. ضحيتها فتاة جزائرية تدعى أسماء أبرادشة، لا يد لها في ما يحصل لها.. ذنبها الوحيد أنها نجحت في البكالوريا بمعدل أهلها للالتحاق المباشر بالمدرسة العليا للأساتذة بالقبة. هي طالبة متحصلة على البكالوريا 2011 بمعدل 21,15 على 20 شعبة العلوم الطبيعية والحياة، وتم توجيهها إلى تخصص أستاذة في التعليم المتوسط بالمدرسة العليا للأساتذة بالقبة في الجزائر العاصمة، حسب رغبتها الثانية بعدما لم يحالفها الحظ في التسجيل في كلية الطب. وبعد الذهاب للتسجيل وإجراء المقابلة، رفضت من طرف مدير المدرسة، بحجة قضت على أحلامها وسوّدت الدنيا في وجهها، وهي ''أنت قصيرة القامة وليس في استطاعتك التحكم في التلاميذ!''. هذه الكلمات وردت في شكوى رفعتها أسماء إلى من يهمه الأمر في الحكومة، وفي كل مكان يوجد فيه ضمير حي وواع بما قد ينجر عن مثل هذه القرارات البيروقراطية التي تميز بين الناس، حتى في الطول واللون وقريبا جدا في الحجم أيضا. تقول أسماء: ''لم أسمع في حياتي كلاما أشعرني ب(الحفرة) مثل تلك العبارات التي نطق بها مدير المدرسة، التي كانت بمثابة الصدمة التي انهارت لوقعها كل قواي. حاولت استرجاع أنفاسي لكن دون جدوى.. توسلت، لكن توسلاتي ذهبت أدراج الرياح.. وكأنني كنت أكلم نفسي وليس إنسانا يقدر الإنسان.'' وتضيف أسماء: ''بعد اجتيازي المقابلة الشفوية وفحص حدة البصر عندي، خرج الأستاذ المشرف وتوجه إلى المدير الذي جاء وخاطبني بأنني مرفوضة في مدرسته لأنني قصيرة القامة، وأنه لن يكون بإمكاني التحكم في مهمة التدريس بسببها، وأن التلاميذ لن يحترموني ولن يكون في قدرتي السيطرة عليهم''. وبنبرة متحسرة قالت: ''إنه حلم حياتي، تفوّقت على من هم أطول مني، وفي الأخير وجدت نفسي محوّلة بقرار من مدير المدرسة العليا للأساتذة إلى فرع ''أل.أم.دي'' علوم طبيعية في برج بوعريريج، دون أدنى تقدير أو استشارة لوالدي وخياراتي، أنا المعنية الأولى بالدراسة''. على باب الوزير بعد ''الفيتو'' الذي أشهره مدير المدرسة في وجهها، ظنت أسماء بأنها ستنال الإنصاف في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لكن هناك كانت خيبة الأمل أكبر. وعن زيارتها للوزارة، تروي أسماء: ''طرقت وأبي باب الوزارة، وهناك استقبلنا مستشار الوزير جمال بن حمودة، الذي أحالنا بدوره إلى وزارة التربية المتعاقدة مع المدرسة العليا للأساتذة، من أجل تزويدها بالمعلمين والأساتذة بغرض التوظيف في قطاع التربية، وأكد لي حقي القانوني في دخول المدرسة''. ولم يكن بن حمودة الوحيد الذي استقبل المعنية، إذ استمع زملاؤه بالوزارة، السادة علوش وحني وحوشين، لأسماء، وأكدوا لها عدم قانونية الرفض المصرح به من طرف مدير المدرسة. وبكل أسف، اعتذروا لها وأقروا أمامها بأنه ليس بمقدورهم فعل أي شيء لها! وأمام هذا الفشل الإداري الذريع، طرقت أسماء باب الوزير رشيد حروابية وأودعت على مكتبه طلبا بمقابلة، لم يتم الرد عليه إلى غاية اليوم! قصر قامتي قابل للعلاج وبشأن ''أزمة'' قصر القامة التي تحججت بها إدارة المدرسة، تقول أسماء: ''أعاني من الغدة الدرقية وأخضع للعلاج الهرموني (حقن وحبوب) لتعويض نقص هرمون الكورتيزون''. وحسب الطبيب المختص الذي تتابع عنده العلاج، فإن طول أسماء سيزيد إلى 1م 55 سم على الأقل بفضل العلاج الذي تخضع له، مثلما حصل مع شقيقها الأصغر. حرماني من الدواء أخر نمو طولي تشير أسماء إلى موقف غريب من جانب صندوق الضمان الاجتماعي بالبرج. فقبل سبع سنوات، رفضت إدارته صرف الأدوية مجانا لوالدها، بحجة أن القانون لا يسمح لها بالتكفل بأكثر من حالة واحدة، وهو ما حرم أسماء من الدواء وبقيت كذلك إلى أن أعادت إدارة الصندوق النظر في قرارها بعد (معركة إدارية) لم يستسلم لها الوالد. خلال نفس الفترة، استفاد شقيقها الأصغر منها، عبد القادر، من الدواء وعاد النمو إلى عظامه، وهو اليوم بطول مقبول أبعده من منطقة الخطر التي توجد فيها أسماء. فاروق قسنطيني ل''الخبر'' ''رفض الأشخاص على أساس القامة تمييز عنصري'' استغرب فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان (التابعة لرئاسة الجمهورية)، أن يتم ''التمييز عنصريا'' بين الراغبين في الدراسة بالمدرسة العليا للأساتذة على أساس القامة، معتبرا بأن مثل هذا الأمر يعد خرقا للقانون ولا يمكن السكوت عنه. وقال فاروق قسنطيني في اتصال مع ''الخبر''، معلقا على هذه الحالة: ''إن رفض تسجيل طالبة في المدرسة العليا للأساتذة يعد عيبا وإقصاء وعملا غير معقول تماما''. وأضاف موضحا بأن ''لا قانون يمنع أن تحرم طالبة أو طالب من الالتحاق بأي تخصص كان، ولو كان له علاقة بالتدريس، بسبب التمييز باللون والطول والوزن''. وأضاف المتحدث ''نحن كلجنة وطنية استشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان نندّد بمثل هذه التصرفات اللامسؤولة، والتي تسيء لكل المؤسسات الجزائرية''. وذكر المحامي فاروق قسنطيني بأنه ''سبق له أن تقدمت إليه شابة قصيرة القامة، منذ سنتين، ورفض تسجيلها في المحاماة لهذا السبب، لكنني تمكنت من التدخل، وأرسلتها إلى نقيب وهران ولا أعلم بعد إن تم تسجيلها أم لا؟''. وأضاف أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التمييز عنصريا بهذا الشكل، لأن مثل هذا الفعل نجرّمه ولا يصدر إلا عن أشخاص غير مسؤولين. مدير الدراسات بالمدرسة العليا للأساتذة ''قصر قامة أسماء لا يؤهلها للتواصل مع التلاميذ'' أوعز مدير الدراسات بالمدرسة العليا للأساتذة بالقبة، السيد أحمد العاطف، سبب رفض التحاق الطالبة أسماء أبرادشة بالمدرسة، رغم توفرها على الشروط البيداغوجية وحصولها على المعدل المطلوب، إلى شروط خاصة تحتكم إليها المدرسة، بعد مقابلة شفوية للطالب مع لجنة تضم أساتذة مؤهلين، حسب ما هو منصوص في المنشور الخاص بالمدرسة. أكد أحمد العاطف أن الطالبة أسماء أبرادشة خضعت لمقابلة شفوية، على غرار جميع الطلاب الحائزين على شهادة البكالوريا دورة 2011 والذين أهلتهم معدلاتهم لمتابعة الدراسة في المدرسة، غير أن اللجنة قررت رفض التحاقها بسبب قصر طولها الذي يبلغ 1م 37 سم. وأبرز محدثنا مواصلا: ''مهمة اللجنة تتمثل في معاينة شروط متعلقة بالهيئة الخارجية للطلاب المرشحين للتخرج بشهادة تؤهلهم للتدريس مستقبلا، حيث لا تشكل هيئتهم عائقا أمام ممارسة مهامهم، والتعامل مع التلاميذ دون مركب نقص، وهو ما لا يتوفر في حالة الطالبة أسماء أبرادشة''. وأبرز مدير الدراسات بالمدرسة العليا للأساتذة أن إدارة الجامعة تجتمع بالأساتذة بداية كل دخول جامعي، لإملاء الشروط التي عليهم معاينتها في المقابلة الشفوية، لخصوصية المدرسة التي يتخرج منها سنويا أساتذة يوجهون لتأطير التلاميذ، حيث يشترط التأكد بعد مقابلة الطالب من عدم معاناته من مشكل في النطق يشكل عائقا في الاتصال مع التلاميذ، أو ضعف في البصر، أو الحركة، أو أي صفة تضع الأستاذ في موضع إحراج أمام التلاميذ. وأشار المتحدث إلى أن المدرسة ترفض نسبة ضئيلة من الطلاب الذين تؤهلهم معدلاتهم للدراسة بها، مواصلا: ''إذا كان الطالب يعاني من ضعف في البصر ولا يمكنه القراءة جيدا حتى وإن كان حاملا للنظارات، ولا يمكنه قراءة ما يكتب على السبورة من مسافة قريبة، فبالتأكيد لا يمكنه أن يؤطر التلاميذ''. وأضاف السيد العاطف أن إدارة المدرسة العليا للأساتذة تخضع الطالب الذي يرفض ملفه لمقابلة ثانية أمام لجنة ثانية لتحري حالته، بعكس الطالب الذي يقبل ملفه: ''حتى نتأكد من أن الطالب لم يتعرض للظلم أو الإجحاف''. بطاقة تعريف - الاسم واللقب: أسماء أبرادشة. ؟ تاريخ الميلاد: 26/01/1993 ببرج بوعريريج. - رقم تسجيل البكالوريا: .3056083 - الشعبة: علوم تجريبية. التقدير: جيد. - تاريخ الحصول عليها: 04/07/.2011 - طول القامة الحالي: 1م 37 سم. مصطفى بوشاشي ل''الخبر'' ''مواصفات الطول خرق لحقوق الإنسان'' أكد مصطفى بوشاشي، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن فرض مواصفات تتعلق بالطول في ما يتعلق بالوظائف والدراسة يعدّ خرقا لمبادئ حقوق الإنسان، وهي خرق للقانون بشكل مطلق. واستغرب بوشاشي، في تصريح ل''الخبر''، أن تمنع طالبة من الالتحاق بالمدرسة العليا للأساتذة بحجة قصر قامتها. وأضاف ''هذا أمر مؤسف، ويتنافى مع الحق في العمل ومساواة المواطنين أمام الوظائف التي تعد حقا مطلقا''. وأضاف بوشاشي: ''إن أي وزارة أو مؤسسة تمنع قصار القامة من الترشح لوظائف التدريس تصرف غير مقبول، ولا يمكن لمؤسسات الدولة فرض هذه المعايير، لأنها بطبيعتها منافية للقانون ولحقوق الإنسان ولا يمكن السكوت عنها''. هواتف مسؤولي الوزارة لا ترد اتصلت ''الخبر'' بالمسؤولين الواردة أسماؤهم في تصريحات أسماء، لكن لا أحد منهم رد، باستثناء هاتف المكلف بالإعلام، السيد خرايفية، الذي تركت لديه رسالة صوتية. جامعة الجزائر: ''القضية ليست من اختصاصنا'' تبرأت جامعة الجزائر من القضية، وأوضح المكلف بالإعلام في اتصال مع ''الخبر''، أن المدارس العليا تنعم بقانون خاص بها، يمنح سلطة التقدير والقرار للمديرين فيها، بعيدا عن أي تدخل من إدارة الجام