دعت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، على موقعها الإلكتروني، الصحافة والجماهير الجزائرية إلى ''مساندة المنتخب الوطني الذي هو بصدد إعادة البناء''. وهلّل اللاّعبون، أيضا، لبداية ''العهد الجديد'' للمنتخب، وراح كل واحد منهم يتفنّن في مدح وحيد حاليلوزيتش، ويتسابق جيل المونديال لكسب رضا البوسني من خلال ''تضخيم'' صنيعه في مقابلتين اثنتين للمنتخب لعبتا في ''الوقت بدل الضائع'' من تصفيات كأس أمم إفريقيا. حين أسمع كل ما قيل عن ''البناء والتشييد'' و''الإشادة والإطراء''، على ما اتفق على تسميته ''اللمسة السحرية'' للمدرّب الأجنبي ل''الخضر''، يخيّل لي وكأنّني لا أعرف هذا المنتخب ولم أسمع عنه من قبل، وبأنني لا أملك أي معلومة عن ماضي ''الخضر'' مع التقني الجزائري رابح سعدان. من يسمع مثل هذا الكلام ويتمعّن فيه مطوّلا، يقتنع بأن رئيس الاتحادية وأعضاء مكتبه الفدرالي، الذين حرّروا آخر بيان لاجتماعهم، واللاّعبين المغتربين المتفائلين، متفقون جميعا على أن البوسني حلّ بالجزائر لانتشال منتخب من بركة خزي النتائج السلبية، وهم اليوم يحصرون معيار الكفاءة في الوقوف على خط التماس والصراخ والتفاعل مع الأنصار، بدلا من هدوء العقلاء من المدرّبين الذين يلاحظون ويدوّنون وهم جالسين على مقعد البدلاء مثل فان غال وآخرين.. أكاد أقتنع، وأنا أسمع ذلك، بأن من خرج ذات يوم من أيام الثامن عشر نوفمبر 2009، حاملين الرايات الوطنية، وهاتفين بسعدان، ومجتمعين قبل ذلك اليوم حول شاشة التلفزيون في كل مباراة من مباريات المنتخب، مردّدين بصوت واحد وعال ''وان، تو، ثري.. فيفا لالجيري''، لم يكن شعبا جزائريا، وبأن من مثّل العرب في المونديال الإفريقي لم يكن منتخبا جزائريا. المضحك في كل ما قيل أن الاتحادية واللاّعبين ينافقون، وهم يدركون بأنهم منافقون ومقتنعون بأن الجميع يعلم أنهم كذلك.. ومع ذلك، يواصلون الضحك على أنفسهم بتقزيم إنجاز أدخلهم التاريخ من أوسع أبوابه، وجعل عيون العالم تترقبهم من مجموع أفضل 32 منتخبا في العالم، وانبهروا، بالمقابل، ب180 دقيقة من اللّعب بأداء بعيد عمّا اقترحه سعدان على الجزائريين بمخلّفات المشاركة في المونديال من إرهاق وإصابات ونقص في التحضير، ونال خلالها المنتخب، بطبعة ''وحيد'' أربع نقاط، وسجّل ثلاثة أهداف أمام منتخبات إفريقية غير مصنّفة إطلاقا. ما يحدث اليوم يا سادة، ليس إعادة بناء، إنما إعادة إهانة المنتخب الذي كتب له تاريخ الكرة بأن اللمسة الجزائرية هي التي جعلته يحرج أعرق المنتخبات العالمية، وبأن من بنى منتخبا من العدم، بلاعبين فاشلين مع أنديتهم وغير مطلوبين أوروبيا وصراع دائم مع مسؤول الاتحادية، هو نفسه الذي ''هدّم'' بيت البوسني مع ''الفيلة''، ثم جاء هؤلاء يسرقون نجاحه ويهدّمون صرحه من أجل ممارسة هواية إعادة البناء. الخطأ الوحيد الذي ارتكبه ''مهندس'' ملحمة ''أم درمان'' ومعاركها، هو ارتقاؤه بالمنتخب إلى مرتبة لم يكن أحد يحلم بها، فاعتقد ضعاف الذاكرة أن المنتخب صار كبيرا على صانعه.. وعند مغادرته، أصبحنا نفرح بصغار النتائج ونقيم لها الأفراح بعدما كنّا كبارا في ماض.. صغرت في عين عظيمها العظائم. [email protected]