تمكن الصحفي الفرنسي، لوران شابران، بعد مرور تسعة وأربعين عاما على اتفاقيات إيفيان، من الاطلاع لأول مرة على أرشيف أجهزة الاستخبارات الفرنسية بخصوص الثورة الجزائرية، والتي كانت بحوزة وزارة الداخلية. وجاء كتابه الصادر حديثا بعنوان ''حرب الظل.. الاستخبارات ضد الأفالان''، ليميط اللثام عن كيفية تعامل الأجهزة الأمنية الفرنسية مع الوطنيين الجزائريين بين 1950 و.1962 يستخلص قارئ كتاب شابران أن الدولة الفرنسية سخرت كامل أجهزتها الأمنية لمراقبة الوطنيين الجزائريين عن قرب، ولم تصطبغ حربها ضد الثورة بصبغة عسكرية، بل أخذت منحا استخباراتيا كانت تقدمه عدة أجهزة، منها ''مديرية مراقبة الإقليم''، و''مصلحة التوثيق ومكافحة التجسس''. ويجيب الكتاب الذي قدم له المؤرخ بنجامين ستورا، عن عدة أسئلة، منها: ما هي المعلومات التي كانت بحوزة الاستخبارات الفرنسية عن الوطنيين الجزائريين؟ وهل كانت هذه الأجهزة تقدم معلومات كافية لتجنب وقوع ''تمرد أبناء لاتوسان'' في نوفمبر 1954؟ وكانت هذه الأجهزة تعمل على تحقيق عدة أهداف، أهمها معرفة نوايا الوطنيين الجزائريين، ومحاولة القضاء على قنوات إيصال الأسلحة للمجاهدين عبر استعمال المعلومات الاستخباراتية، إضافة إلى الاعتماد على أساليب الحرب النفسية وممارسة التعذيب للحصول على المعلومات. ويكشف شابران في كتابه، استنادا إلى الأرشيف الذي اطلع عليه بأروقة وزارة الداخلية، أن الشرطة الفرنسية كانت ''تلعب'' على وتر الخلافات بين أنصار جبهة التحرير الوطني وأتباع مصالي الحاج، المنضوين تحت لواء الحركة الوطنية الجزائرية التي تأسست في ديسمبر .1954 كما يبحث الكتاب في علاقة النقابي الأمريكي الشهير، إرفينغ براون، بجبهة التحرير الوطني، وكيف تابعت الأجهزة الأمنية الأمريكية تحولات السياسة الفرنسية تجاه الجزائر عودة الجنرال ديغول إلى الحكم وتأسيس الجمهورية الخامسة في ماي .1958 وعُرف عن النقابي براون مساعدته للفدائيين الجزائريين بفرنسا، بينما تذكر مصادر أخرى أنه كان يقدم العون للثورة ولأنصار مصالي الحاج على حد سواء. وفي المقدمة التي وضعها للكتاب، كشف المؤرخ بنجامين ستورا أن مائة وثلاثين ألف، من أصل ثلاثمائة مهاجر جزائر، كانوا يدفعون الاشتراكات لجبهة التحرير الوطني. يذكر أنه سبق لمدير الأمن العام بالجزائر، جان فوجور، أن ألف كتابا تناول فيه دور الاستخبارات الفرنسية في التنبؤ بوقوع ''حرب الجزائر''، حينما ألف سنة 1985 كتابا صدر بعنوان ''من التمرد إلى الثورة.. الأيام الأولى لحرب الجزائر''، لكنه احتفظ بروح موظف الاستخبارات، ولم يقدم أي أرشيف خاص بنشاط الأجهزة الأمنية.