أمرتنا الشريعة الإسلامية أن يكون بناؤنا دائماً على النّفس ثمّ الأهل، قال الله تعالى: {يا أيُّها الّذين آمنوا قُو أنفُسكم وأهليكم ناراً وقودها النّاس والحجارة عليها ملائكة غِلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون}. أمرنا الله عزّ وجلّ أن نقي أنفسنا أولاً، بتقويمها وترويضها على الطاعات واجتناب المحظورات. ولا يتم ذلك إلاّ بصُحبة الصّالحين ومخالطة أهل التّقوى، كما قال تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين} لأنّه بملازمتكم أهل الصّلاح تصلون إلى درجة التّقوى، وكذلك بمجاهدة النّفس كما قال تعالى {والّذين جاهدوا فينا لنهديَنَّهم سُبُلنا}، ثمّ أمرنا أن نُصلح الدائرة القريبة منّا، وهم الأهل المتمثلون في الوالدين والزوجة والأولاد والبنات، وذلك بتعليمهم الآداب الشرعية وما يجب وما يحرم من الأعمال، وأن ينصحهم ويوجّههم ويقوّم اعوجاجهم، لأنّ الدِّين النّصيحة، كما جاء في الحديث الذي يرويه مسلم والترمذي وأبوداود من طريق تميم الدّاري رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''الدِّين النّصيحة، قلنا: لمَن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم''. هذا الأساس العظيم الّذي غفل عنه النّاس أساس كلّ تغيير، ويبدأ من النّفس ثمّ من الأسرة، وليعلم أنّه مأجور، وخاصة مَن رُزق البنات وأحسن تربيتهنّ كما جاء في الحديث الّذي يرويه الترمذي وأبوداود من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''لا يكون لأحدكم ثلاث بنات -أو ثلاث أخوات- فيُحسِن إليهنّ إلاّ دخل الجنّة''. جاء في الحديث الّذي يرويه مسلم والترمذي من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن عال جاريتين حتّى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو''. ولا بدّ أن ننبِّه الأولياء بأنّه يجب عليهم أن يعدلوا بين أولادهم وبناتهم، لذا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينهى أن يُعطى بعض الأولاد من المال دون بعض، لما فيه من الظلم وإثارة الشقاق بين الأبناء، بل وقد يظهر الولد المحروم بُغضاً لأبيه قد يتعدّى لغيره فيفسد الرحم. ومن الأمور الّتي تجب على الوالد اتجاه ابنه أن يبدأ منذ ولادته بأن يؤذن في أذن المولد اليمنى، ويقيم للصّلاة في أذنه اليسرى، تذكيراً له بالفطرة الّتي فطر الله النّاس عليها، وهي التوحيد، لذا فمن المؤكد على الأبوين أن يحفظا المولود من كلّ شيء يخرج به عن حد الفطرة، ويحسنا تربيته ويجتهدا في ذلك ويجنّباه مواضع السوء. وعليهما أن يغرسا في قلبه تعظيم شعائر الدِّين وحرمات الله ومحبّته الخير ومحبّة العمل به ومحبّة أهله، ويرغّباه فيه ويحُثّاه عليه، ويُبغضا إليه الشّرّ والعمل به ويبغضا إليه أهله والعاملين به. وعلى الوالدين أن يأمر ابنهما بالصّلاة إذا بلغ سبع سنين، ويزجراه وينهراه عليها إذا بلغ عشر سنين، ويمنعاه من قرناء السوء وخلطاء الشرّ، ومهما أحسنا في تربيته القيام عليه كما ينبغي، فالمرجو من فضل الله ألاّ يخيّبهما من ثواب أعماله الصّالحة وطاعاته بعد البلوغ، بل المرجو من فضل الله أن يكون لهما منها مثل ثوابه كما قال الشاعر: إذا بلغ الفتى عشرين عاماً وأعجزه الفخار فلا فخار * إمام مسجد عبدالحميد بن باديس -الجزائر الوسطى