إنّ الإسلام جاء لجمع قلوب المؤمنين وجعلهم متّحدين متّفقين ونهاهم عن التّفرّق والاختلاف، فنهى عن كلّ ما يؤدّي إليهما، قال تعالى: {واذْكُروا نعْمَتَ الله علَيْكُم إذْ كُنْتُم أعداءً فألَّفَ بَيْنَ قلوبكُم فأصْبَحْتُم بنعْمَته إخْوَانًا} آل عمران: .103 وعلى هؤلاء الأشخاص أن يتبيّنوا قبل أن يصدقوا كلّ ما يُنقل إليهم، قال الله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} الحجرات: 6، فقد يوقع ذاك النقل وذاك التّصديق دون تثبت أو تبيّن الشّكوك وسوء الظن والاختلاف. ثمّ إنّ الذي يشتغل بنقل الأخبار بين النّاس عن غيرهم يكون نمّامًا مُغتابًا والنّميمة والغيبة مُحرّمتان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله ما الغيبة؟ قال: ذكُرك أخاك بما تكره'' قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: ''إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته'' أخرجه الترمذي وأبو داود وهو حديث صحيح، والأولى أن تبيّن العيوب والأخطاء المخالفة للشّرع عن طريق النّصيحة، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: ''الدّين النّصيحة ثلاثًا، قلنا لمَن يا رسول الله؟ قال: ''لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم'' أخرجه البخاري ومسلم. ومسألة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مسألة عظيمة يتهاون فيها كثير من النّاس، فبتلك الحجّة يجرحون في الأشخاص وفي العلماء ويتناقلون الأخبار الخاطئة والصحيحة للإيقاع بينهم، وما علموا أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر له شروط وقواعد، وقد ألّف العلماء فيها كتبًا، فلا بُدّ للآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر من علم وحلم وصبر، قال الله تعالى: {ادْعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} النحل: 125، وقال سبحانه وتعالى: {قُل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومَن اتّبعني} يوسف: 108 والبصيرة هي العلم. والدّين الإسلامي أولى قضية المصالح والمفاسد أهمية، فجعل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر متعلّقًا بجلب المصالح ودرء المفاسد، وفي السُنّة أمثلة كثيرة عن ذلك لا يسع المقام لذكرها. هذا ليتفطّن بعض الجهلة إلى ضرورة العلم قبل الغوص في أيّ أمر أو مسألة.