كيف يمكن النظر إلى وضع مسار الانتخابات في مصر مقارنة بالتجربة التونسية؟ ففي تونس، لم يكن الجيش طرفا مباشرا في الدائرة السياسية في فترة وعهد الحكم المستبد الشمولي، وهو ما حدّد سلوكه اليوم. أما في مصر، فإن الجيش يعتبر عنصرا هاما في تركيبة النظام. بعد تاريخ 11 فيفري 2011، أضحى المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتحكم في زمام الحكم. في بداية الأمر، كانت المدة المحددة هي ستة أشهر، ولكنه لا يزال متحكما إلى الآن، حيث حدّد مهمته في ''استعادة الاستقرار''. وقد نجح المجلس في صيانة صورته ليقدم نفسه كحام للبلاد في مواجهة التهديدات الخارجية، خلال هذه الفترة الحرجة والصعبة. وحتى في حال ما إذا لم يهتم بمبدأ البقاء في السلطة، فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيبحث عن الحفاظ على المكاسب والامتيازات الاقتصادية للجيش، في ظل الحكم الجديد. لقد بيّنت تجربة دول أمريكا اللاتينية خلال الثمانينيات، بما لا يدع مجالا للشك، أنه كلما اضطر العسكريون للتخلي عن السلطة، فإنهم يبحثون بالمقابل عن حماية مصالحهم المشتركة الخاصة بهم. وتؤكد ذات التجربة أن المسار الانتخابي لا يمكن أن يشكل سوى الخطوة الأولى باتجاه مسار ديمقراطي كامل وفعلي. ولبلوغ المسار الديمقراطي بر الآمان، فإنه يتعيّن العمل على الانبعاث السياسي، من خلال تظافر جهود الحركات الاجتماعية، وإعادة تجديد الحركة النقابية، وشجب الرشوة والفساد، وحث الشباب وتشجيعهم للمساهمة في بناء مستقبل بلدهم. ويكمن الخلاص المصري، أو سيكون، رهين قدرة الزعماء المدنيين الجدد في إرساء توافق وإجماع حول التوجهات السياسية، وتجنيد الشعب حول هذه التوجهات للحد من نفوذ وتأثير العسكريين. في نفس السياق، نرى أن التجارب المصرية والتونسية تمنحنا دليلا على نقطة البداية لرحيل الطغاة المستبدين، ويتعلق الأمر بقدرة المواطنين على تغيير النظام وممارسة ضغوط متعدّدة الأشكال على من بأيديهم السلطة والحكم، مقابل الحياد الإيجابي أو المشجع للقوات العسكرية وقوات حفظ النظام والأمن وسهولة الوصول إلى الأدوات الجديدة للتجنيد، وهذه الوسائل والعوامل تحدّد الطريق الواجب اتباعه لاندلاع الثورة. ولكن، يجب أن نؤكد على أن هذا المسلك يمنح لنا الوسائل لمباشرة عملية التغيير فحسب، ولكنه لا يقدم لنا وسائل تحقيق التغيير، ما يتطلب استخلاص أولى دروس الحكم الراشد في مرحلة ما بعد رحيل رئيسي الدولتين (تونس ومصر). وخلاصة القول، يمكن التأكيد على أننا نعيش عهد الصحوة السياسية الدولية، التي تظل معرّضة لخطر المفارقة أو التناقض مع الشعور بحياة أفضل، بفضل التطور التكنولوجي السريع والمذهل من جهة، وتراجع وانتكاس الذهنيات والسلوكات البشرية من جهة أخرى، حيث نشهد انحراف المجتمعات باتجاه العنف والفوضى والحتمية أو القدرية. فأمام أزمة فريدة من نوعها، يتطلب إيجاد حلول مبدعة فريدة من نوعها أيضا، والتحلي بروح الابتكار والإبداع، واعتماد استراتيجيات جديدة وسياسات مستجدة. وأكثر من ذلك، أن ننخرط في سياق مبدأ تسارع التطور.