لم يعد لاحتفالات المولد النبوي، مثل بقية المناسبات والأعياد الدينية، تلك النكهة التي كانت تطبعها أيام زمان. وتحولت مع مرور السنوات إلى مواعيد يتخوف منها المواطنون، تزدحم خلالها المستشفيات بالمصابين الذين أرادوا الاحتفال فوجدوا أنفسهم في غرف العمليات وقاعات العلاج. شرشال كانت تستقطب 500 ألف زائر للاحتفال ''المنارة'' عادة استحدثها عرب الأندلس لمواجهة الطقوس الصليبية تعود حكاية مدينة شرشال بتيبازة مع ''منارة'' المولد النبوي إلى عقود من الزمن، وتعتبر رمزا من رموز الحضارة الإسلامية، عارضتها سلطات الاحتلال الفرنسي فتحداها السكان بنشيد ''شعب الجزائر مسلم''. يروي السيد محمد قرشي، 64 سنة، الذي ورث عملية تنظيم ''المنارة'' عن والده، أن الاستعداد للاحتفال بالمولد يبدأ قبل اليوم الموعود بخمسة أشهر.. وحسبه، فإن ''المنارة'' عادة استحدثها عرب الأندلس لمواجهة الطقوس الصليبية عند مسيحيي الأندلس، الذين كانوا يحتفلون بأعيادهم الدينية بالطواف حول الصليب. واكتسب السكان الأصليون لشرشال عادة صناعة ''المنارة'' مع اقتراب المولد النبوي الشريف، بعد سقوط مدينة غرناطة، واستقرار العديد من العائلات الأندلسية بمدينة شرشال، ليبرز تأثر سكان المدينة بعاداتهم وتقاليدهم، حتى في الجانب المعماري. ويضيف محدثنا قائلا: ''المنارة تشبه إلى حد كبير صومعة المسجد، بها هلال ونجمة، وهي رموز ديننا الإسلامي الحنيف، كما تشمل أشكالا هندسية مستقاة من الحضارة الإسلامية، حيث كانت ''المنارة'' في السابق تزين بقطعة قماش، باللونين الأبيض والأخضر المعبرين عن السلام، والشموع فقط، لكن في الآونة الأخيرة أدخلت عليها عدة تغييرات، فباتت تزين بالألعاب والمؤثرات الضوئية المثيرة كما يتم تغليفها بورق فضي ومزخرف''. تفاؤل بالخير ويشترك في صناعة ''المنارة'' جميع سكان المدينة، لمدة تفوق الأربعة أشهر، في فناء المسجد العتيق لمدينة شرشال. وبعد الانتهاء من إعدادها يجتمع الصغار والكبار بباحة المسجد، من أجل نقلها إلى مقر الوالي الصالح سيدي عبد الرحمن في أعالي مدينة شرشال، حيث يضعونها هناك، ويشرعون في تلاوة القرآن الكريم طيلة أسبوع كامل. وبعدها يتوجه المواطنون حاملين ''المنارة'' على أكتافهم إلى غاية مدينة عين القصيبة العتيقة، حيث يطوف بها المواطنون كامل أرجاء المدينة، وتستقبلها كل العائلات الشرشالية بالتهليل مرددة الأناشيد الوطنية، وسط الزغاريد والشموع المشتعلة تعبيرا عن الفرحة. وأثناء مرور موكب ''المنارة'' بأزقة المدينة وشوارعها يقوم السكان برميها بالسكر واللوز، ورشها بالعطر متفائلين بها. وآخر محطة، استحضرناها برفقة عمي محمد، هي وضع ''المنارة'' بضريح الوالي الصالح سيدي إبراهيم الغبريني، الواقع بالجهة الشرقية للمدينة، فتوضع هناك طيلة أسبوع، بداية من يوم المولد النبوي الشريف، حيث تتخلل تلك الأيام محاضرات عن السيرة النبوية وتلاوة القرآن. فرنسا منعت الاحتفالات ويتحدث عمي محمد كثيرا عن تضامن المواطنين وتكافلهم من الناحية الاجتماعية مع اقتراب مناسبة المولد النبوي كل سنة، حيث يتم إخراج مخزون المدينة من القمح والشعير والزيت والسكر والخضر والفواكه، المحتفظ به في مطمورات بنيت في حياة الوالي الصالح ''سيدي ابراهيم الغبريني''، والمتمثلة في تبرعات يقدمها أغنياء المدينة، ويوزعها متطوعون بالمناسبة على الفقراء والعجزة والمحتاجين. وبعد احتلال فرنسا مدينة شرشال في 1940، منعت السلطات الفرنسية سكانها من الاحتفال بالمولد النبوي، وحولت مسجد النور إلى مستشفى عسكري، مما حرم المواطنين من الالتقاء والتجمع وإعداد ''المنارة''.. لكن سكان شرشال ظلوا متمسكين بهذه العادة، بل وحولوها إلى مناسبة لتمرير رسالة سياسية، مفادها أن الجزائر حرة ومستقلة، مغتنمين ميلاد حزب الشعب الجزائري الذي تحدى الاستعمار وطالب بالاستقلال. رغم أنف فرنسا.. نحتفل كان شعار الشرشاليين وقتئذ الاحتفال بالمولد مهما كان الثمن، وبمقهى ''سي محمد'' يتم إعداد ''المنارة'' من طرف المنخرطين في الحزب، ولما ينتهوا من إعدادها يقدموها لتلاميذ المدرسة القرآنية الراشدية لحملها وبأيديهم الشموع والفوانيس إلى ساحة البلدية، في تحدي للمعمرين والعساكر الفرنسيين الذين يتوافدون بكثرة، بداعي الفضول لرؤية ''المنارة''، ثم ينطلق التلاميذ بترديد نشيد ''شعب الجزائر مسلم''. وعلى مر الأعوام حرص سكان شرشال على المواظبة على احتفالية ''المنارة''، مع إدخال تغييرات كثيرة عليها، فأصبح مسؤولو الديوان الوطني للسياحة ببلدية شرشال يشرفون على إعدادها. اليوم والأمس وتحولت ''المنارة'' إلى قبلة للزوار من سنة لأخرى، حيث كان عددهم لا يقل عن 500 ألف زائر، يأتون من داخل وخارج الوطن، بالإضافة إلى تغيير شكلها بتزيينها بالألعاب والأضواء والشموع والفوانيس، لإضاءة مساء هذه الليلة المباركة. وتحمل هذه ''المنارة'' على متن عربة تتجول بها في كل شوارع المدينة، يتبعها حشد كبير من العائلات مرفقة بالأطفال والشباب، وسط تهليلات وتكبيرات، تعبيرا عن الفرحة بهذه المناسبة العظيمة. وينتهي موكب ''المنارة'' بالعودة إلى الميناء، لتحمل على متن زورق صغير تتبعها زوارق تنقل الجماهير حاملين الشموع ومنارات مصغرة، ليطلق العنان فيما بعد للزغاريد والتصفيقات، وسط بهجة يضفيها دوي المفرقعات وإطلاق الألعاب النارية في السماء بألوانها، ويتواصل الاحتفال إلى غاية الساعات الأولى للمولد النبوي الشريف. شمعة ''البوعزيزي'' في سكيكدة بعد ''قذيفة عنتر يحيى''، و''نطحة زيدان'' وقذائف ''بن لادن'' التي هزت ليلة المولد النبوي الشريف السنة الماضية، نجد هذا العام مفرقعات تحمل أسماء فجرت ''الربيع العربي''، على غرار ''شمعة البوعزيزي''. أياما قبل الاحتفال بذكرى المولد، تغزو مختلف شوارع وأزقة مدينة سكيكدة والمدن الكبرى التابعة لها، مختلف أنواع المفرقعات والألعاب النارية، يتنافس الشباب على عرضها. وتحمل أغلب هذه الألعاب و''المحارق'' أسماء خاصة، تساير الأحداث التي عرفتها بعض الدول العربية. وفي سوق السويقة، تصطف طاولات بيع المفرقعات، مزاحمة المارة الذين يضطرون لسلك طريق آخر للوصول إلى وجهتهم المقصودة. ويقول أحد الباعة عن المناسبة: ''هي فرصة لكسب ربح لا نحققه على مدار السنة''. وعن الأسماء التي حملتها المفرقعات هذه السنة، توجد شمعة البوعزيزي، وهي مفرقعات مستطيلة ذات لون أحمر، تحترق بسرعة محدثة دويا صاخبا، وتلقى إقبالا كبيرا من طرف الشباب. وفي تمنراست أيضا، لا يختلف الأمر عن مدن الشمال.. فالألعاب النارية أصبحت مصدرا للمعاناة، إذ تكتظ مصالح الاستعجالات بالمصابين من جراء هذه المفرقعات. وهذا الأمر ضئيل في الجنوب إذا لم نقل إنه منعدم، إذ لم تسجل أي إصابة خلال ال5 السنوات الماضية في مصالح الاستعجالات بولايات أقصى الجنوب. سكيكدة: عبد العزيز مطاطلة تمنراست.أ. بالحاج مناسبة للفرحة وتذكر الفقراء سكان القصبة يفتقدون طلقات مدفع ''سي جلول'' عاد بنا السيد رضا عمراني، نائب رئيس مؤسسة القصبة، إلى تقاليد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في حي القصبة بالعاصمة، والذي كان يبدأ بطلقات مدفع ''سي جلول'' الموجود في أعاليها. يقول عمراني: ''كان سكان العاصمة يتبركون كثيرا بالأولياء الصالحين، فيخصونهم بالعناية، خاصة قبيل أسبوع من مناسبة المولد، فيشرع العديد من المتطوعين في تجهيز مقر الوالي الصالح سيدي عبد الرحمن الثعالبي، المتواجد عند مدخل القصبة، بغسل ردائه وتطهير التابوت و''تشليل'' الأواني النحاسية والفضية الموجودة في المقام''. وأضاف عمراني أن عائلات القصبة كانت تتبرع بالحبوب والمأكولات والحلويات للفقراء والمساكين، بالإضافة إلى تلاوة وتجويد القرآن، وإنشاد المدائح الدينية ليلا في مقام سيدي عبد الرحمن، والجامع الكبير، وجامع سيدي عبد الرحمن، بحضور العديد من الشخصيات وكبار الفنانين، الذين كان يتقدمهم الراحل محي الدين بشطارزي، والحاج محمد العنقى، دون الآلات الموسيقية. كما كانت العائلات تلتف حول مائدة العشاء، عشية المولد، التي تتزين بطبق الشخشوخة، والفطاير، والرشتة، بالنسبة للعائلات الميسورة، وطبق الكسكسي بالنسبة للعائلات الفقيرة، وبعد صلاة العشاء يتفرغ الجميع لتلاوة القرآن. ويروي عمراني أن ما كان يميز احتفالات زمان إشعال الشموع، حيث تأخذ كل واحدة منها اسم فرد من العائلة، سواء أكان حاضرا أم غائبا، بالإضافة إلى ''عساس الدار''، وهو ''الفال'' الذي يعتبرونه حارس البيت من المخاطر، ويتم تعطير المنزل بالبخور و''الجاوي''، مع تحضير الشاي وتقديم المكسرات والحلويات التقليدية على صينية من النحاس الخالص، تعرف عن العاصميين ب''الصني''. أما الأطفال، فقد كان لهم عالمهم الخاص.. حيث يحتفلون بطريقة خاصة، بإشعال ''اللونات'' و''المحارق'' في باحة البيت. وفي صبيحة المولد النبوي، يلتف الجميع مجددا حول المائدة لتناول القهوة و''الطمينة'' و''البغرير''، قبل التوجه إلى زيارة المقابر للترحم على الأقارب والأحباب المتوفين. وبالنسبة إلى عمراني، فإن الكثير من العائلات العاصمية لا تزال تتمسك بالتقاليد القديمة (سالفة الذكر)، وذلك على الرغم من طغيان استعمال الألعاب النارية والمفرقعات، التي تؤثر سلبيا على الاحتفالات، إضافة إلى ما تشكله من خطر على المواطنين. احتفال عمره 7 قرون في تلمسان تكتسي الاحتفالات بذكرى المولد النبوي الشريف في تلمسان عادات وطقوس خاصة، ضاربة في عمق حاضرة بني زيان. وإن كانت تختلف في تفاصيل صغيرة من منطقة إلى أخرى، إلا أن أكثرها تميزا ما تعرفه ليالي وأيام المولد بالمدينة، والتي تعود إلى سبعة قرون خلت، حيث كان ملوك بني زيان يفتحون قلعة المشور، مقر حكمهم، لعامة الشعب، في احتفالات تمتد إلى أسبوع كامل، وكان ملوك بني زيان يجعلون لذكرى المولد قداسة خاصة توارثتها الأجيال. يحتفل التلمسانيون بالمولد بتحضير الحناء لتزيين أيدي الأطفال والنساء، وترتدي البنات الزي المرصع بالجواهر والحلي، وتتزاحم العائلات أمام محلات التصوير لتخليد الذكرى. ويقتني الأولياء الشموع والطبول كهدايا لأبنائهم الذين يتجمعون أمام البيوت لإنشاد أغاني المولد، مثل ''عائشة لا ترقدي.. الليلة يزيد النبي''، وهو زجل معناه يا عائشة لا تنامي هذه الليلة ذكرى مولد النبي، وغيرها من الأغاني التراثية والمدائح التي تتغنى بخصال المصطفى صلى الله عليه وسلم. وتحرص الأمهات على إعداد الأطباق الشعبية، التي تعد عادة للمرأة الخنفساء، مثل طبق ''التيقنتة'' في رمزية للميلاد المتجدد، وهو طبق يمزج فيه السميد ومسحوق القمح بالعسل وبعض المكسرات. ويختار الكثير من التلمسانيين المولد لختان أبنائهم تبركا بالنبي. وتحافظ بعض الأحياء على تقاليد تجمع النسوة في البيوت، والسهر إلى غاية ساعات الفجر حول حلقات الذكر والمديح، المزينة بأباريق الشاي وأشهى الحلويات التلمسانية، في حين يتوجه الرجال إلى المساجد والزوايا لإحياء الذكرى، التي لم ينقطع عنها السكان، حتى في حقبة الاستعمار. تلمسان: نور الدين بلهواري إحصاء 1516 تدخل في مولد العام الماضي أحصت مصالح الحماية المدنية في المولد النبوي الماضي، مالا يقل عن 1516 تدخل على المستوى الوطني إثر الحرائق التي شهدتها بعض الولايات، بسبب الاستعمال المفرط لمختلف الألعاب النارية والمفرقعات، مست في غالبيتها المنازل والفيلات، وحتى المحلات التجارية والسيارات، مخلفة إصابات بليغة في شبكيات العين، المؤدية إلى فقدان النظر، إلى جانب حالتين لطفلين فقدا أصابع اليد، ناهيك عن إصابات أخرى على مستوى العيون وجروح في الأيدي والرقبة. الجزائر: رزيقة أدرغال