ق· حنان يعتبر إيقاد أو إشعال الشموع ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، مظهرا آخر من مظاهر الاحتفال بهذه الليلة المباركة لدى كثير من العائلات الجزائرية، فهم يقتنون أنواعا مختلفة الأشكال والأحجام منها، خاصة بالنسبة للعائلات التي لا تضم بين أفرادها أطفالا صغارا، فلا تضطر بالتالي إلى اقتناء المفرقعات والألعاب النارية، ولكنها تحرص الحرص كله، على اقتناء بعض الشموع تكون أحيانا حسب عدد أفراد العائلة، وأحيانا أخرى أكثر من ذلك، حيث يقومون بإشعالها بعد العشاء مباشرة، إلى أن تذوب كليا، ومنهم من يعتبر ذلك فألا حسنا، عسى أن تحمل معها أخبارا جيدة ومفرحة ومضيئة كنور الشموع في الأيام القادمة، وتعد الشموع والألعاب النارية والمفرقعات في المجتمع الجزائري، أبرز مظاهر الاحتفال بليلة مولد سيد الكونين والثقلين محمد صلى الله عليه وسلم· واختلفت أنواع الشموع المعروضة حاليا، ولم تعد مقتصرة على الأنواع العادية والتقليدية التي كانت تباع ب3 أو 10 دج، للشمعة الواحدة، بل تعددت أشكالها وألوانها، ووصل سعر البعض منها إلى نحو 200 أو 300 دج، خاصة بالنسبة لتلك التي يتم وضعها داخل كؤوس زجاجية مختلفة الأحجام، مزينة بالورود وبعض أحجار الزينة وغيرها، إضافة إلى أنواع أخرى تكون صغيرة، وتمتاز جميعها برائحتها العطرة والزكية، ويلاحظ إقبال الكثير من المواطنين عليها خلال الأيام العادية، ويزداد إقبالهم عليها خلال المولد النبوي الشريف، حيث يقومون بوضعها في أنحاء متفرقة من المنزل، وعادة ما يتم وضعُ بعضها في أركان الغرف الأربع، أو فوق المائدة، بعيدا عن الأيدي، وخاصة أيدي الأطفال حتى لا يتسببوا في إطفائها، موازاة مع إشعال أعواد العنبر والبخور، ويعتقد الكثير من الجزائريين أن في ذلك طلب للفأل الطيب تبركا بليلة مولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وكثيرا ما يلتف أفراد الأسرة حول الشموع المشتعلة، وينظرون إليها بعيون يملاه الفرح والأمل في غد أفضل وأحسن· ولأن الأمر يتعلق بعادات عريقة وأعراف تقليدية وشعبية متوارثة في المجتمع الجزائري منذ عقود طويلة، فإنه من الصعب نوعا ما، جعل الناس يدركون بأن عادة إشعال الشموع هي عادة مسيحية نصرانية محضة، رغم أن ذلك ليس بالأمر الغريب، فكثيرا ما نلاحظ أن المسيحيين يقومون بإشعال الشموع عند توجههم إلى الكنائس، حيث يضعونها تحت قدمي مجسم المسيح عليه السلام، أو عند الصلبان الموجودة في منازلهم في أعيادهم ومناسباتهم الدينية، كما أنهم يقومون أيضا بإشعال الشموع، على أرواح الموتى والمفقودين، تعبيرا منهم على الحزن والفرح على حد سواء، وبالتالي فليس من الصعب الإدراك بأن إشعال الشموع عادة مسيحية خالصة، حتى وإن قال البعض إنهم لا يقومون بإشعالها تشبها بالمسيحين وإنما لأنها عادة متوارثة لا غير، ولا يعتمدونها إلا في مناسبات قليلة جدا أبرزها المولد النبوي الشريف، مع أنه أمر من الواجب التنبيه له· ويقال أيضا إن شعائر إيقاد النار والمشاعل في الأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية عند الأفارقة الشماليين تعود إلى عصور ما قبل المسيحية وهي بقايا شعائر مجوسية داخلت الطقوس المسيحية ومن بعدها الإسلامية· وبعضهم يرجع عادة إشعال القناديل إلى ما بعد الفتح الإسلامي وبالتحديد بعد ظهور الدولة العباسية ببغداد التي قامت من 132 ه / 656 م بعد انهيار الدولة الأموية في دمشق· ونتيجة لاختلاط الدولة العباسية بالبرامكة الذين كانوا أسرة فارسية دخلت الإسلام زمن الدعوة العباسية السرية وظل هولاء البرامكة محتفظين بمكانتهم لدى الدولة العباسية حتى سنة 162 ه / 778 م حيث اختار الخليفة المهدى أحد هؤلاء البرامكة وهو يحيى بن خالد البرمكي ليكون مربياً لابنه هارون الرشيد· فكان من نتائج ذلك أن انتقلت العادات مع هؤلاء البرامكة التي تتمثل في إشعال الشموع والقناديل لتمتزج بالتقاليد والعادات العربية الإسلامية ومنذ ذلك العهد أصبحت هذه العادات مباحة وجزءاً لا يتجزأ من شعائر هذه الاحتفالات لما تبعثه تلك المشاعل من أنوار تغمر ليلة المولد النبوي الشريف تعبيرا بالنسبة إليهم عن القبس الرباني الذي تجلى وعم الكون في ليلة مولد سيد الكائنات"·