يتجه عمي حسين بتفاؤل كبير، كل صباح، إلى الأحياء القريبة من منزله الكائن في حي ''لاكولون'' العتيق بوسط مدينة عنابة، يجر عربته ويجمع الخبز اليابس من أمام المنازل ومن مداخل العمارات، وبفضل هذا العمل أصبح يستغني عن منحة التقاعد في تلبية حاجيات أسرته. يقول عمي حسين ''أحلت قبل ثلاث سنوات على التقاعد، بعدما كنت أشتغل في مؤسسة ''نفطال'' بمنحة شهرية لا تتجاوز 11 ألف دينار، وأربعة أفراد في العائلة، فكان من الضروري أن أبحث عن عمل لتلبية حاجيات أسرتي، بحثت عن عمل في أماكن عديدة دون جدوى''، ثم استرجع أنفاسه بما يوحي بعمق المعاناة التي مرّ بها. وواصل حديثه ''ذات صباح، كنت أجلس أمام منزلي فلمحت أحد الكهول يجمع الخبز من رفوف المنازل فراودتني فكرة القيام بالعمل ذاته، وعرضت الفكرة على أحد الأصدقاء، فأعجب بها كونها ستفتح أمامي أبواب الرزق، فأعارني عربة صغيرة كان يملكها، ومن وقتها وأنا أجمع الخبز''. وفي رده على سؤال يتعلق بمصير الخبز الذي يجمعه، أوضح عمي حسين: ''أبيعه لشخص بالجملة، وبدوره يبيعه إلى مربي المواشي ليأخذوه منه غذاء لأغنامهم، كما يبيع جزءا منه إلى معامل علف الدواجن لتعويض الذرة، نظرا لغلاء سعرها في السوق الوطنية''. وأضاف أن ''ثمن الكيس الواحد من الخبز يساوي 100 دينار، ويرتفع السعر ليصل إلى ما بين 120 دينار و150 دينار في فصل الصيف، حين يكثر الطلب على علف الحيوانات''. ويبدأ عمي حسين في جمع الخبز بعد صلاة الفجر، حيث يغادر مسكنه بحي ''لاكولون'' العتيق، وسط المدينة، متجها إلى الأحياء المجاورة التي ألف سكانها الاحتفاظ بكميات الخبز اليابس في أكياس أمام سكناتهم؛ إنهم على علم بأن عمي حسين سيمرّ من هناك لأخذها، ويواصل سيره لجمع الخبز إلى غاية المركز الصحي بمحاذاة الولاية، ثم يعود إلى منزله حاملا أكياس الخبز على ظهره. وذكر أن تعب السنين التي قضاها يعمل في مؤسسة ''نفطال''، نال من صحته، حيث لا يقوى على جمع الخبز لساعات طويلة، ما جعله يضطر لأخذ وقت مستقطع من الوقت في البيت لاسترجاع أنفاسه. وفي حدود الساعة الثامنة، يأخذ عربته الصغيرة متجها للأحياء البعيدة عن مقر سكناه، يجرها ليجمع أكبر كمية من الخبز، مؤكدا أن مدخوله يرتفع يوما بعد يوم، بفضل اتساع دائرة علاقاته مع سكان تلك الأحياء، حتى أضحت عائلات بأكملها تجمع له الخبز مقابل دفعه لها خمسة دنانير عن الكيس الواحد، وأصبح أصحاب معامل العلف والإسطبلات يقصدون منزله لأخذ الكميات التي جمعها، وبذلك تضاعف مدخوله الشهري من هذا العمل وأصبح يتجاوز العشرين ألف دينار. وردا على سؤالنا إن كانت هناك منافسة أو تقسيم للمناطق بين مجموع العاملين في هذا المجال، ذكر محدثنا ''أن جميع من يقوم بجمع الخبز يدرك جيدا معنى أن الرزق يأتي به الخالق؛ وبفضل هذه القناعة نجد العاملين في هذا المجال أصبح يزداد عددهم من يوم لآخر، حتى أنهم أصبحوا من مختلف الأعمار، ولا توجد منافسة بينهم، كما أن ممتهني جمع الخبز اليابس أصبحوا، مؤخرا، من الشباب، وحتى النساء ممن صدت أبواب التشغيل أمامهم، وهو عمل أصبحت تسترزق من ورائه العشرات من الأسر الفقيرة''.