إنّ ممّا لا يختلف عليه اثنان أنّ حُبَّ الوطن من الإيمان، بل يُقاس الإيمان زيادة ونقصاناً بمدى حبّ الأوطان والتّعلُّق بها، كما أنّ القلوب السّليمة مجبولة على حُبِّ أوطانها والذود عن حياضها. فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم رغم أنّه أُخْرِج من مكّة موطن صباه ومهد فتوّته، ورُحِّل قَصْراً، لم يحمل بين جنبات فؤاده إلاّ حُبًّا فياضاً وتعلّقاً بوطنه، وهاهو لحظة دخوله مكة منتصراً ترقبه الأعين في خشية وفرق، وهُم مَن أخرجوه من مكّة طريداً، فابتدرهم بالسُّؤال ما تظنُّون أنّي فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال قولته المشهورة والّتي حقّ أن تُكتَب بماء العيون لا بماء الذهب: ''اذهبوا فأنتُم الطُّلقاء''، إنّ حبّ الوطن يُعلِّمك التّسامح يعلّمك العفو والصفح يعلّمك التغاضي عن زلاّت الآخرين، وإن نالوا منك؛ لأنّ الوطن أوّلاً وقبل كلّ شيء، فعندما يُناديك الوطن لابُدّ أن تلبّي النِّداء، لابُدّ أن يفتدى الوطن بالمُهَج الغالية والأوقات النّفيسة. وبلدنا الجزائر أرض الصّالحين والصّالحات، أرض الصّادقين والصّادقات، أرض المجاهدين والشّهداء، فأجدادنا الّذين فدوا الوطن وسقوا أرضه المباركة بدمائهم الذكية لم يكونوا ينتظرون من الوطن ردّ جميل طوّقوا به عنقه، فمنهم مَن لم تكتحل عيناه برؤية وطننا مستقلاً، وهاهو الدور علينا فالجزائر اليوم تُنادي على أبنائها البررة ليَعْبُروا بها إلى شطّ الأمان بالإدلاء بأصواتهم لمَن يرونه الأصلح، مقدّمِين مصلحة الوطن على كلّ الحسابات الضيّقة، والنّعرَات القبلية، والتكتلات الجهوية، لأنّ النّصر ما كان ليتحقّق لولا أنّ الشّهداء والمجاهدين انصهروا في بوتقة واحدة هي الوطن، وهاهو الوطن يُنادينا مرّة أخرى، فنُلبِّي النِّداء ونقول نحن لك فداء يا وطن، فكما حقّق أجدادنا النّصر، سنُحقِّق نقلة نوعية وتغييراً سلمياً، نابعاً من إرادتنا، لا من ممليات غيرنا. فالأوطان لا يعرف قيمتها إلاّ مَن فقدها، فلنسئل إخواننا في فلسطين الّذين يعيشون في الشّتات عن قيمة الوطن والأرض، فقبل أيّام قليلة مرَّت الذِّكرى السادسة والثلاثون ليوم الأرض، باكين وطنهم باكين أرضهم، لأنّك إنْ فقدت وطنك لَن تجد لك بديلاً، ولن يهبك أحد أرضه لتبني عليها وطناً. وقد سجَّل لنا التاريخ مثلاً في غاية الروعة، يجسد لوحة فنية في حبّ الوطن فهاهو لقيط بن يعمر الإيادي والّذي كان كاتباً في ديوان كسرى ملك الفرس، فعرف أنّ كسرى يكيد لقبيلته ويريد غزو ''إياد''، فجاشَت نفس لقيط وأبت عليه نخوته العربية وعصبيته القبلية، إلاّ أن يُنَبِّهَهُم للخطر الحاذق بهم فقال: أبلغ لإيادا وخلل في سراتهم إنّي أرى الرأي إن لم اعص قد نصعا إلى أن قال: لقد بذلتُ لكم نصحي بلا دخل فاستيقظوا إن خير العلم مكا نفعا هذا كتابي إليكم والنّذير لكم لِمَن رأى رأيه منكم ومن سمعا ومن علامات حبّ الوطن الدعاء للوطن، فلقد دعا سيّدنا إبراهيم عليه السّلام لوطنه كما قال تعالى: ''وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ''. وقال أيضاً: ''رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَد آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَ أَنْ نَعْبُدَ الْاَصْنَام''. إنّ الجزائر تمُرّ بمرحلة حرجة فأعداء الوطن يتربّصون بنا الدوائر، ليجروا الوطن إلى فتنة فلابُدّ علينا أن نقطَع الطّريق أمام كلّ مَن يروم أمننا واستقرارنا، والعبث بمصيرنا، بممارسة حقّنا ألاّ وهو الإدلاء بأصواتنا، في يوم العاشر من ماي، والّذي سيُشكِّل نقلة نوعية، ومنعرجاً مصيرياً في مسيرة البناء والتّنمية، وجزائر الغد الّتي ترقبها العيون الحالمة، وتتوقّ لها القلوب الواثقة بأنّ أبناء الجزائر لن يخذلوها، بل سيكونون السباقين لحِفظها وحمايتها والذود عن حياضها. فلنحفَظ الله في هذه الأمانة، ولقد صحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوله: ''إنّ المستشار مؤتمن''، وسنُسأل عنها كما قال تعالى: ''سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُون''. أيُّها الأحباب إنّ الإزورار عن المشاركة في الانتخابات يفتح المجال أمام الباغين المعتدين، ممّن يودُّون إشعال نار الفتنة للعبث بالوطن وأمنه، فإنّ كلّ مَن يأمَل الرقي بالوطن، ومواصلة مسيرة تنميته، وهو لا يزال يحمِل روحاً يائسة، ونفساً محبطة، منزوياً عن المشاركة في الانتخابات، مكتفياً بتسديد ضربات النَّقد وصرخات السّخط، لَن يقدم خطوة للأمام. *إمام مسجد الحسين حي الإمام الحسين ولاية تمنراستب