تتداول منذ فترة بعض المواقع الالكترونية فتوى من خمسة عشر بندا، تصبّ في تحريم بعض الأمور في ممارسة كرة القدم. ومن ذلك أن أصحاب هذه الفتوى الغريبة يقولون هذه لعبة من ابتداع اليهود والنصارى فلا تلعبوها مثلهم (..) أي لا تلعبوها بسراويل قصيرة والأفضل استخدام قمصان النوم التي تغطي الجسم كله (..) لأن القميص يخفي مفاتن الرجل (..) ولا يكشف عورته.. ومن عجائب ما أوردته الفتوى أن يلعب الفريقان ثلاثة أشواط بدل شوطين على ألاّ يكون التشبه باليهود والنصارى (..) وألا يكون زمن الشوط الواحد 45 دقيقة فإما أن يكون أكثر أو أقل.. وأكثر من هذا فإن كل لاعب يعبر عن فرحته بالجري وتقبيل أصحابه يتعرض لعقاب مختلف تماما، فلا هو إقصاء للاعب ولا منحه بطاقة صفراء أو حمراء إنما يكون العقاب عبارة عن تأنيب بالبصق في وجهه، حتى لا يكرر التشبه باليهود والنصارى الذين يقومون بحركات لا صلة لها بالكرة.. فما معنى أن يقبل لاعب آخر مثلا؟.. ومن الأشياء التي أوردتها الفتوى هي أن تُزال كل القواعد التي تضبط اللعبة من تماس وتسلل ومخالفات وضربات جزاء وو.. وألا يكون هناك جمهور وحكم، لأن ذلك من ابتداع اليهود والنصارى أيضا.. وما دامت الأمور مفتوحة فلا خوف من التسلل ولا المخالفات، إذن ما جدوى الحكم؟ وما دامت الكرة تلعب من أجل تقوية العضلات وتنشيط الدورة الدموية فما فائدة أن يأتي الجمهور ليتفرج.. وهنا يكون القذافي قد سبق أصحاب الفتوى في كتابه الأخضر الذي ينعت الجمهور المتفرج على المباراة بالساذج، لأنه بدل أن يكون على أرضية الميدان لاعبا وممارسا لكرة القدم يجلس للتفرج وهو سلوك ساذج.. ورغم أن عددا من الدعاة وأصحاب الفتوى سئلوا عن مدى ''شرعية'' هذه الفتوى استنكروها، وبعضهم كاد أن يؤيد بعض ما فيها.. ولكن ما رأي الشيخ جوزيف بلاتر في هذه الفتوى، خاصة وأن الاتحاد الدولي لكرة القدم يضم أكثر من مائتي عضو، أي أكثر من أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة! من دون شك سيضرب أخماسا بأسداس، ويقول في الوقت الذي نفكر فيه باستخدام التكنولوجيا والكرة الذكية التي تعطي إشارة للحكم فيما إذا كانت اجتازت خط المرمى أم لا تفاديا للجدل الذي يثار بشأن الالتباس الذي يحدث في كثير من المباريات الهامة، يأتي من يطلب إلغاء الحكم والقمصان الملونة والأرقام والصافرة والجمهور!! عندما قرأت هذا الكلام العجيب، عدت بالتاريخ إلى ما قبل البعثة، حين كانت القبائل تتصارع فيما بينها، وقلت لو أن العرب عرفوا الكرة وقتها، بالتأكيد سيقيمون، خلال الأشهر الحرم حيث لا حروب ولا قتال، دورات بين القبائل، فتلعب حمير ضد قريش، والأوس ضد الخزرج، وبنو النضير يواجهون محليا بني قينقاع، وتلعب خزاعة ضد عبس.. ويمكن لقريش أن تواجه الغساسنة أو المناذرة ويكون الاحتراف قائما في رحلتي الشتاء والصيف. أحيانا لا أفهم لماذا يرهق بعض الناس ممن يحترفون الفتوى أنفسهم بالتفكير في مثل هذه الأمور وكأنها تمنع الناس من أن يكونوا مسلمين مفيدين لأمتهم، ومدافعين عنها في المحافل التي تتبارى فيها الأمم.. وسئل أحدهم عن حكم الشرع في لعب الكرة واحترافها فقال: ''لا يجوز لأحدٍ أن يفتي بحكم لعب كرة القدم وغيرها - فضلاً عن احترافها- مع إغفاله واقع هذه اللعبة في هذا الزمان، وبيئتها التي تحيط بها، ففي هذه اللعبة كشف للعورات، وتضييع للصلوات، والتعرض للفتن والشهوات، واحتمال الأذى والإصابات''.. ويضيف رأي آخر إن طبيعة هذه اللعبة وما تثيره من تحزبات وإثارة للفتن وتنمية الأحقاد تناقض ما يدعو إليه الإسلام من وجوب التسامح والتآلف والتآخي، وتطهير النفوس والضمائر من الأحقاد والضغائن والتنافر. فالغرض من اللعب بالكرة الآن اقترن بابتزاز المال بالباطل، فضلاً عن أنه يعرض الأبدان للإصابات، وينمي في نفوس اللاعبين والمشاهدين الأحقاد وإثارة الفتن، بل قد يتجاوز أمر تحيّز بعض المشاهدين لبعض اللاعبين إلى الاعتداء والقتل.. وبالتالي فالأصل في مثل هذه الألعاب الرياضية الجواز إذا كانت هادفة وبريئة''. وقبل أسابيع خرج عبد المنعم الشحات، وهو مهندس مصري سلفي، بفتوى أسالت حبرا كثيرا بعد أحداث بورسعيد، قائلا ''إنّ كرة القدم حرام شرعا، وأنها لعبة دخيلة على المسلمين ومستقاة من الغرب. وهي بذرة نتنة زرعت في بلادنا، وأصبح الجميع يخاف أن يواجهها حتى لا يقال عنه إنه متطرف أو متشدد''. واعتبر ضحايا بور سعيد ماتوا بسبب اللهو الحرام وليسوا شهداء (..) مما أثار لاعبي الكرة في مصر رافضين الفتوى، ومؤكدين أنها تتعارض مع الإسلام.. وردّ أحد لاعبي الأهلي على فتوى الشحات بالقول ''إن ما قاله الشحات غير منطقي ولا يوجد دليل عليه، فالرسول عليه الصلاة والسلام حثنا على ممارسة الرياضة، والرياضات التى حددها الحديث الشريف هى السباحة والرماية وركوب الخيل، التى كانت موجودة فى ذلك الوقت، ففي السعودية يلعبون كرة القدم اليوم''. ومنذ أيّام طلعت فتوى على لسان الحدّاد، مفتي دبي، مفادها أن سجود اللاعبين بعد تسجيل الأهداف باطل ''لعدم استكمال شروط السجود من طهارة البدن والثوب (..) وأنّ كثيرا من اللاعبين لا يراعون شروط السجود، من حيث الوضوء وستر العورة والتوجه نحو القبلة، فكيف يصح لهم أو يقبل ذلك منهم''. لكنّ مفتي دبي عكس غيره من الدعاة اعتبر كرة القدم والرياضة نعمة لا تستوجب الشكر. وأمّا السعودي العصيمي، فأكد أن السجود في الملعب ''إساءة للإسلام''، بينما يرى المصري محمد متولي منصور أنّه ''ليس عيباً أن يسجد الإنسان شكراً لله على نعمة أعطاها له، لذلك لا عيب في السجود في الملعب، بل إن ذلك دعوة لكل لاعب أن يسجد لله بعد أن يسجل هدفا''..