وصلتني هذه القصة البسيطة البليغة المعاني من صديق على الفايسبوك. القصة تقول: سئل أردوغان: كيف استطعت تحويل خزينة تركيا من عجز إلى فائض؟!! فأجاب: ببساطة لا أسرق!! هذا يلخص مسألة أساسية وهي أن صلاح الحاكم ضرورة لوقف نزيف الفساد المالي وهو شرط النجاح والتغيير. في الجزائر اليوم شواهد كثيرة تؤكد أن خزينة الدولة تسرق وجيوب المواطنين تسرق وأحلام المواطنين في التغيير قد تسرق بل والدولة تسرق. وما يفتح الباب واسعا أمام هذه ''السرقات'' هو غياب دولة المؤسسات. فدولة السلطة عجزت وهذا العجز صار خطرا على السلطة وصار خطرا بالخصوص على الدولة وعلى استقرارها. نعم مصالح الدولة الجزائرية مهددة داخليا لأن العلاقة بين الجزائريين والسلطة لم تعرف يوما حالة تدهور وانقطاع مثل التي تعرفها هذه الأيام. فالأحزاب المعبرة عن السلطة وبمختلف الهويات، وطنية وإسلامية وليبرالية تغريبية، فشلت في إقامة علاقة طبيعية مع الناس بل وأحدثت فيها هوة سحيقة. الدولة السلطة فشلت في وقف انتشار الفساد في أوصال الدولة ومهددة بالفشل في التأسيس لمسار سياسي قوي لإصلاح ما أفسد. والدولة مهددة خارجيا، لأن تهلهل الجبهة الداخلية صار عائقا، ولأن معطيات الوضع الإقليمي متغيرة بشكل سريع جدا، ما جعلنا نشعر أن إمكانية التأثير في مجريات هذه التحولات تكاد تكون منعدمة، ما جعل العجز عن الحركة يهدد مصالحنا بشكل خطير جدا. لن أعدد التحولات التي حدثت شرقا وغربا وجنوبا، بل أتحدث عن تحول واضح لموازين القوى لصالح أطراف أخرى. فالمغرب يحظى بسند قوي ولا غبار عليه من قبل الدولة الفرنسية والغرب وفي شتى المجالات، لاسيما الاقتصادية والاستراتيجية، وواضح أن فرنسا تحسب و''تلعب'' مع ملك المغرب أكثر مما تحسب و''تلعب'' مع حاكم الجزائر. إن كفة المغرب رجحت بشكل واضح منذ سنوات عدة، وفي ذلك ما يدعو للانشغال والقلق. من ناحية أخرى إن حدودنا الجنوبية الشرقية مهددة ومن أطراف مختلفة، مهددة من عجز الأشقاء في ليبيا ومهددة من الأطراف الفاعلة في السياسة الليبية ومهددة من قبل مجموعات مسلحة مختلفة الغايات والأغراض. كما أن القوى السياسية الفاعلة في بلدان الجوار تغيرت. تغيرت في تونس وفي ليبيا وحتى في مالي وفي المغرب بشكل ما. إن الجزائر تبعا لذلك وبشكل بسيط في حاجة، أولا وقبل كل شيء، لديناميكية داخلية تعيد ترميم ما يمكن ترميمه في الجبهة الداخلية. لكن للأسف الكثير من الوقائع والمعطيات لا تدفع للاعتقاد أن الأمور تسير في ذلك الاتجاه، ولعل أبسطها أن السلطة تبدي عجزا مخيفا عن حماية القدرة الشرائية للناس بل ونراها مستسلمة أمام المضاربين وأمام سوق اهتزت أركانه أمام بارونات كبروا في وقت ضعفت أو أضعفت مؤسسات الدولة السلطة. وإذا كانت السلطة، حكومة وأجهزة سياسية وبيروقراطية، وهي تحضر للانتخابات لا تستطيع، ولو مؤقتا، الوقوف في وجه هذا التلاعب الواضح بالسوق بل وبعوامل الاستقرار فمعنى ذلك أنها قد لا تستطيع أن تضمن أي مسار للإصلاح أو أنها لن تتمكن من الوقوف في وجه عصب تسرق الدولة وتعمل على تكريس هيمنتها عليها وتقف في وجه أي مسار سياسي جديد. هل الجزائر تسرق من أهلها؟ وهل الإصلاح غير ممكن؟ وهل من غير الممكن الانتصار على الفساد وعلى العصب؟ لست أدري ولكن يبدو أن الرهان كبير جدا ويبدو أن المعركة حادة وحامية الوطيس وتبدو قوى التغيير، إن وجدت، هي الأضعف اليوم. في كل الأحوال لا بد من وقف النزيف، نزيف الثروة ونزيف الأخلاق ونزيف القوى القادرة على الوقوف في وجه مسار الفساد والإفساد وفي وجه عجز السلطة وفي وجه سرقة الدولة وفي وجه استسلام بعض الأطراف وتواطؤ أطراف أخرى. قد لا نحلم أن نرى أردوغانا بيننا في القريب العاجل ولكن لا بد أن نعي أن أردوغان هو أولا وقبل كل شيء الشعب التركي والنضالات الدؤوبة لقواه الحية من أجل دولة أخرى أكثر أخلاقا وأقل فسادا، أكثر وطنية وأقل تبعية.