الصّحابي الجليل أنس بن النّضِر، رضي الله عنه، عم أنس بن مالك، خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعلى اسمه يسمَّى، وينسب إلى بني النجَّار في المدينة. وقد أحبّ أنس رسوله، صلّى الله عليه وسلّم، وظلّ مدافعًا عنه حتّى آخر قطرة دم في جسده، ولم يعلم بخروج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقتال المشركين يوم بدر، فحزن حزنًا شديدًا، ونذر نفسه للشّهادة في سبيل الله، ليعوّض ما فاته من يوم بدر. وذهب إلى الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، نادمًا أن فاتته غزوة بدر، فقال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، غبتُ عن قتال بدر، غبتُ عن أوّل قتال قاتلتَ المشركين، لئِن أشهدني الله قتال المشركين ليرين اللهُ ما أصنع. فلمّا كان يوم أحد، خرج أنس بن النّضِر مع المسلمين، وهو يتمنّى أن يلقى الله شهيدًا في هذه الغزوة. وبدأت المعركة وكان النّصر حليف المسلمين، إلى أن خالف الرُّماة أمر رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وتحوّل النّصر إلى هزيمة، وفرّ عدد كبير من المسلمين، ولم يثبت مع النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، سوى نفر قليل. فلمّا رأى أنس ذلك المشهد، تذكَّر وعده لله تعالى، فانطلق يشق صفوف المشركين قائلاً: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء (يعني أصحابه)، وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء (يعني المشركين). ثمّ تقدم شاهرًا سيفه، فاستقبله سعد بن معاذ، رضي الله عنه، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضِر، إنّي أجد ريحها من دون أحد. وأخذ يقاتل ويضرب بسيفه يمينًا وشمالاً، حتّى سقط شهيدًا على أرض المعركة. وروى البخاري أنّ هذه الآية الكريمة: {مِنَ المؤمنين رجال صدَقُوا ما عاهدوا الله عليه فمِنهم مَن قَضَى نحْبَهُ ومنهم مَن ينتظر وما بدّلوا تبديلا} الأحزاب 32. نزلت في أنس بين النّضِر ومَن معه من الصّحابة رضوان الله عليهم.