احتضنت قاعة الموفار، أمس، العرض الأول للفيلم السينمائي الطويل ''فضل اللّيل على النهار''، من إخراج الفرنسي ألكسندر أركادي، سيناريو دانيال سان امو وبلوندين ستانتزي، وإنتاج فرنسي بلجيكي، مع مساهمة رمزية للجزائر عن طريق المنتج بشير درايس، تمثيل كل من فؤاد آيت عتو، نورة ارنازدر ومحمد فلاف. يأخذنا الفيلم المقتبس عن رواية الكاتب الجزائري ياسمينة خضرة، والتي تحمل نفس العنوان، في أكثر من ساعتين من الزمن، إلى رحلة إبداعية راقية، إخراجا وتصويرا وديكورا، يحاول من خلالها المخرج أركادي إعادة بناء جزئيات الرواية بكل أمانة، حيث احترم نصها بطلب من الكاتب بطريقة رومانسية تشبه كثيرا الأفلام الهوليودية في الستينيات، مستعملا تقنيات متعدّدة في الإخراج، كالفلاش باك والتركيب المتقطع للأحداث والدمج. وتعود كاميرا أركادي إلى سنوات الثلاثينيات، وتشبه البداية كثيرا تلك الخاصة بفيلم ''خارجون عن القانون'' لرشيد بوشارب، فلاح جزائري يعتني بأرضه مع أطفاله في موسم الحصاد، يأتي ''القايد''، ممثل السلطة العسكرية الفرنسية، لانتزاع الأرض. وقد حرص أركادي على مشاعر الجزائريين، أو صورة الفرنسيين، إذ أن الذي انتزع الأرض لم يكن سوى جزائري، وقام ذلك ضد أبناء جلدته، رغم أن التاريخ يؤكد أن الأرض تُنتزع في أحيان كثيرة بالقوة من طرف عسكريين فرنسيين، ويُخيّر ملاكها الجزائريون بين التوقيع على أوراق التنازل أو القتل. فكانت بداية مع رحلة العائلة التي تترك القرية لتتوجه إلى مدينة وهران، ويتحوّل مالك الأرض إلى أجير عند غيره وعند المعمّرين، ويرفض أن يندمج في الوضع الجديد، عكس أخيه الصيدلي الذي درس وتعلم وتزوّج من أوروبية، كما تزوّج الثقافة الفرنسية، رغم أنه لم ينس أصله وانخرط في حزب الشعب والحركة الوطنية. يحاول المخرج من خلال قصة عائلة عيسى منزوعة الأرض، خاصة الابن يونس الذي يسلمه أبوه عيسى لعمه محمد الصيدلي (محمد فلاف) وزوجته الفرنسية مادلان (ان كوزينييه)، محاكمة التاريخ أو إعادة قراءة الاستعمار الفرنسي وعلاقته بالمجتمع الجزائري، من خلال قصة الابن الذي يمثل هذا الجيل الذي كان يمكن لفرنسا أن تصنعه من الجزائري، بقليل من الذكاء والحنان، ويظهر ذلك من خلال تبني مادلان الفرنسية لفكرة الزواج من جزائري، وكذلك تربيتها للابن الجزائري على الطريقة الأوروبية. وتتضح الصورة أكثر في عبارة يكرّرها هذا الابن لأصدقائه ''أصدقاء إلى الممات''، الشاب الذي يتحوّل من يونس إلى جوناس، ويتبنى الحياة الفرنسية، بل ينغمس فيها ويعشق فرنسية، ويصاحب فرنسيين، رغم أنه لا ينسى أنه جزائري، كما يردّد له عمه دائما. وبالمقابل، نجد هذا الجيل المقهور الأمي الذي تعرّض للذل والهوان من طرف المعمّرين، عبر صورة جلول (سليم كشيوش) الذي يصبح ضابطا في جيش التحرير الوطني، يحمل السلاح ويصعد إلى الجبل، وفي الاخير هو من ينتصر ويطرد الاستعمار، الذي غادر الجزائر بلا رجعة. يحمل الفيلم كثيرا من الرسائل الضمنية والقراءات المختلفة، لكنه لم يترك للمشاهد تخيّل النهايات، بل قدمها من خلال المشهد الأخير، وعودة جوناس للترحم على حبيبته الميتة، وتسلمه رسالتها الأخيرة ولقائه بصديقه المقرّب أيضا جون كريستوف، وقوله ''الجزائر تبقى في القلب، لكن لن نعود أبدا، لقد أخذوها منا''، اعتراف من الآخر بفشله وصرخة داخلية، فيها الكثير من الحنين والحسرة لمن نسمّيهم الأقدام السوداء.