أستاذ سعد أستشف دائما في كتاباتك روائح تاريخ طفولتك المبني على أرضية آلام مرحلة الطفولة التي رسمها الإستعمار في ذاكرتك، وآمال مرحلة الشباب التي طبعها حب بناء دولة جزائرية قوية تحفظ تطلعات آمال الأجيال ومعاناة مرحلة الشيخوخة المتسمة بالوعي، مع العجز الكامل في تحريك الأمور فما بالك بتغييرها. لكن بكل أسف أقولها لك أن كل ساسة فرنسا قديمهم وحديثهم ومستقبلهم، لن يروا في الجزائري إلا عبدا مطيعا لهم وخادما لهم ولم ولن يرقى إلى مستوى البشر مادام رهط منهم يسلّم أبناءه وبناته طواعية لهم بحجة التعاون العلني والثقافي والتطور الحضاري. مع العلم أن المرأة الجزائرية في العهد الذي أنت ولدت فيه وتستمد منه أكسجين حياتك، كانت تقبل الموت بكل طواعية ولا ترضى أن يمس شرفها فرنسي واليوم هذه الصفة أصبحت من صفات التخلف يا أستاذ. أبو الهول: عمر بن عمر لماذا تحرك فيّ المواجع يا أبا الهول؟! أنا فعلا رأيت نور الحياة في عام الشرّ والعري.! كنا نلبس شكاير الخيشة وننتعل ''الفاعة'' وفي الربيع نفرح لما تخضرّ الدنيا كي نأكل الحشائش مع البهائم التي نرعاها ونرعى معها..! وننشد الأناشيد الوطنية منها'' فرنسا تزهى في الحياة وتصنع في السيارات ونحن نصنا ضاع ومات غير من الهمّ والميزيرية؟! كانت هذه طفولتي.. وفي شبابي عشت سنوات الإستقلال بآمالها العريضة في بناء دولة مستقلة تنتقم للشعب من الجهل بتعميم التعليم ومجانيته وتنتقم من المرض بالعلاج المجاني للجميع... وتنتقم من الجوع والعري بالتوزيع العادل لثروات البلاد على المواطنين، كانوا في الدولة يعدّوننا لمهمة أخرى غير هذه التي نحياها الآن.. كانوا يقولون لنا: لابد أن تكونوا مثل الشجرة المحروقة تتكسروا ولا تنحنون.! وها نحن نعيش في زمن الطحين في شيخوختنا فيه القيم السائدة هي الزحف للمنافع على البطون.! نعم أنا فعلا أعاني من تمزق نفسي بين هذه الثلاث التي ذكرت يا أبا الهول، طفولة بائسة، وشباب حالم وشيخوخة محبطة.! وما أصعب على المرء أن يرى آمال شبابه تنهار في كبره كقصور كارتون.. تلتهمها النيران ولا يستطيع فعل شيء.! مثل هذا الهاجس ينبغي أن يكون هاجسا ثانويا وليس هاجسي أنا الأساسي، ولكن أنا أحسّ بأنني أنتمي إلى جيل تربى في أحضان جيل عظيم ولكنه كان جيلا تافها..! إنني فعلا جالست فرحات عباس وبن خدة ومهري وأيت أحمد وبوالصوف وبومدين وبن بلة وبوضياف وبن طوبال وكافي ومالك بن نبي وتوفيق المدني وأحس بالتعاسة، لأنني لا أستطيع إكمال مشوار هؤلاء لبناء دولة جزائرية حرة مستقلة وعصرية.