بعد إيداع الأحزاب لقوائم مترشحيها للمحليات لدى مصالح الشؤون الإدارية بالولايات، ينتظر أن تخضع هذه الملفات لعملية ''فيلتراج'' على مستوى مخابر وزارة الداخلية، ل ''زبر'' العديد منها ومطالبة الأحزاب بتغيير بعض مترشحيها ممن ترى وزارة دحو ولد قابلية أنهم يمثلون ''خطرا على النظام العام''. القانون يمنح المتضررين الطعن في آجال 3 أيام لدى المحاكم الإدارية، بشأن شبهة يعترف القضاة أنفسهم بأنها ''مطاطية''، لتفصل ''شعرة'' فقط بين تثبيت الإقصاء أو إعادة الاعتبار، وهو ما يجعل الأحزاب تحبس أنفاسها حتى آخر لحظة، تحسبا لسقوط مترشحيها من العيون الضيقة لغربال وزارة الداخلية، لسبب حقيقي أو ''مفبرك''. اعترفوا بأنها شبهة مطاطية القضاة في مواجهة ''آلة'' الداخلية في زبر قوائم الأحزاب هل بإمكان القضاة وقف ''آلة'' وزارة الداخلية في ''زبر'' قوائم المرشحين للانتخابات المحلية بدواعي ''خطر على النظام العام''؟ إن اعتراف الملتقى الأخير للقضاة ب''مطاطية'' هذا التعريف، من شأنه أن يفتح باب الضغوط بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. باستثناء الانتخابات التشريعية الماضية، حيث تمكن القضاة من إعادة الاعتبار لمترشحين رفضت الإدارة ملفاتهم، لم تكن وزارة الداخلية تجد أي عناء أو صعوبة في ''إقصاء'' المرشح، تحت ذريعة تسمى ''الخطر على النظام العام''. ولم يكن بمقدور المرشحين الذين رفضت ملفاتهم، الاستنجاد بأي هيئة طعن لاسترداد حقوقهم. أبعد من ذلك، كانت المصالح الإدارية تفرض، تحت طائلة رفض القائمة كليا، على الأحزاب خصوصا الممثلة للتيار الإسلامي، تغيير المرشحين الذين حجزهم ''غربال'' وزارة الداخلية في أي لحظة وفي أي وقت. وظل هذا الإجراء ''الأمني'' معمولا به منذ انتخابات 97 التشريعية ولايزال مستمرا إلى يومنا هذا. وكان المرشحون الممنوعون من الترشح، إلى وقت قريب، لوحدهم في المواجهة مع وزارة الداخلية، ما خلف حالات تعسف إداري في حق العشرات من مناضلي الأحزاب، قبل أن يدخل القضاء على الخط، بموجب التغييرات التي شهدتها القوانين المنظمة للعملية الانتخابية. وضمن هذا السياق، كشف رئيس النقابة الوطنية للقضاة، جمال عيدوني، في تصريحات سابقة ل''الخبر''، بأن القضاة أعادوا الاعتبار لمترشحي أحزاب أقصتهم الإدارة، خلال تشريعيات 10 ماي الماضي، حتى وإن لم يذكر أعدادهم بالضبط، وهو ما يعني أن يد وزارة الداخلية لم تعد طليقة مثلما كانت في السنوات الماضية، حيث كانت تعمد لإسقاط قوائم المرشحين بمجرد الشك وفي غياب أي إدانة قضائية. لكن حتى وإن كان القضاة مستعدين لممارسة صلاحياتهم كاملة، فإن الفراغات القانونية التي تميز القوانين الموجودة، تمثل البوابة التي تتدخل منها الإدارة عبر تقديم قراءات غير تلك التي يستعملها القضاة. وضمن هذا الإطار، لم تمر شبهة ''خطر على النظام العام'' التي تلصقها وزارة الداخلية بمترشحين للانتخابات، دون أن يتوقف عندها القضاة مطولا، لما يكتنفها من ''حق يراد به باطل''. ولكن في الوقت الذي كان ينتظر القضاة أجوبة واضحة من الوزارة الوصية، اكتفى مدير الشؤون القانونية والإدارية بالاعتراف بأن هذه الشبهة المنصوص عليها في المادة 5 من قانون الانتخابات ''مرنة وهلامية ومطاطية''، تاركا باب الاجتهاد لقضاة المحاكم الإدارية بقوله ''الخطر على النظام العام أنتم تعرفونه ونحن نعرفه أيضا''. لكن، عندما يقول جمال عيدوني، رئيس النقابة الوطنية للقضاة، بأن تحقيق استقلال القضاء يمرّ حتما عبر تنحية وزير العدل ممثل السلطة التنفيذية، من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وهو المطلب الذي طرحته النقابة منذ تأسيسها العام ,2004 دون أن يتحقق، ففي ذلك أكثر من رسالة على عدم رغبة السلطة في الفصل الفعلي بين السلطات وإبقاء هيمنة الحكومة على جميع المؤسسات بما فيها المنتخبة. استطاعت به تحييد الأحزاب الحاكمة والمعارضة معا ''خطر على النظام العام'' مفتاح متعدد الاستعمال بيد الإدارة ''الخطر على النظام العام''، مفتاح بيد وزارة الداخلية، تستعمله لغلق أي باب تراه منفذا للمعارضة، يمكن أن تصل من خلاله إلى قلوب المواطنين وتجنيدهم لتحقيق ولو خطوة صغيرة نحو تغيير الخارطة السياسية في البلاد. باعتراف القضاة أنفسهم، تعد عبارة ''خطر على النظام العام'' أو المساس به أو تهديده.. مطاطية. ومع ذلك القضاة مدعوون للتعامل مع قضايا ذات صلة بالنظام العام، باستمرار ومنذ الاستقلال تقريبا. وبرز هذا النوع من القضايا بشكل ملفت سنوات الثمانينينيات، عندما وجدت الإدارة أو وزارة الداخلية ومصالحها الأمنية، نفسها أمام معضلة تسيير الحركات السرية التي أخذت تسيطر على الحياة السياسية الوطنية وعجز الحزب الواحد على مواجهتها في الميدان. وبما أن الحزب الواحد آنذاك جزء من النظام والأمن العامين، فما كان لقضاتنا إلا أن يحوّلوا قرارات تحييد المعارضين إلى أحكام قضائية ثقيلة في حق طلبة وإطارات جزائرية شابة، تجاوزت عقولهم بوتقة الحزب الواحد، وازدادت مصداقية العدالة تدهورا بقرارات العفو عن مساجين الرأي التي كانت تصدر من رئيس الجمهورية. ورغم دخول البلاد في التعددية السياسية ونهاية عهد سجن الجزائريين بسبب آرائهم، لم يتخلص القضاة من عبء المحاكمات ذات الصلة بالخطر على النظام أو تهديده، حيث تحوّلت هذه المهمة إلى وسيلة لمراقبة عمل الصحفيين الذين تحرروا هم أيضا من قيود الحزب الواحد وبدأوا يمارسون حريتهم في التعبير، بشكل أثار غيرة زملائهم حتى في بلدان ذات تقاليد عريقة في الديمقراطية. وأمام هذه الوضعية، وجدت الداخلية ومصالحها الأمنية في حالة الطوارئ، الغطاء القانوني لوضع كل صحفي أمام مؤسسة إعلامية أو مقال يزعج السنفونية الرسمية تحت طائلة تهديد النظام العام. وكانت قاعات المحاكم على موعد مع محاكمات مهنيي الإعلام من رسامين كاريكاتوريين وكتاب صحفيين ومبتدئين في المهنة، كل يوم ثلاثاء. وكان القضاة يكتفون في غالب الأحيان بأحكام غير نافذة في تلك القضايا، لكنهم رافقوها في الكثير من الحالات بمنع صحيفة ما من الصدور لفترة تصل إلى ستة أشهر، والعديد من العناوين اختفت نهائيا من الساحة الإعلامية، مباشرة بعد صدور حكم قضائي في حقها، لأن المطابع تطالبها برخصة إعادة السحب التي لا يملك أحد صلاحية إصدارها. وجاءت مرحلة ثالثة في تطبيق الخطر على النظام العام، هي مرحلة المصالحة الوطنية، وأصبح الضحية الجديدة لوزارة الداخلية ومصالحها الإدارية والأمنية هم المترشحون لمختلف المواعيد الانتخابية. والظاهر في هذا التحول، هو منع عودة الفيس إلى الساحة السياسية، لكن ميدانيا استعملت الداخلية شعار ''الخطر على النظام العام'' ضد كل شخص يترشح في حزب معارض ويملك من الشعبية ما يعيق الداخلية عن ترتيب نتائج الانتخابات في النهاية. كما استعمل الشعار لزبر قوائم أحزاب التحالف الرئاسي أيضا، لمنع تسرب أي مترشح غير محسوب على ''ملك المرحلة''. وقد أعاد القضاة، في الانتخابات التشريعية الأخيرة، الاعتبار لمجموعة من المترشحين الذين أسقطتهم الإدارة وهم يستعدون لمواجهة هذه القرارات في الانتخابات المحلية المقبلة، بمطالبة الداخلية بتوضيح عبارة ال''الخطر على النظام العام''. لكن الداخلية، نجحت طيلة عقود من الاستقلال، في إفراغ الانتخابات من محتواها وتنفير المواطنين من المشاركة فيها، واستطاعت تحييد الأحزاب الحاكمة عن الحياة السياسية مثلما حيّدت المعارضة. حوار الأمين العام لحركة النهضة فاتح ربيعي ل ''الخبر'' زبر القوائم تقلص لكن بشكل غير كافٍ تتعرض قوائم مترشحي الأحزاب للزبر من قبل الإدارة في كل موعد انتخابي. هل قٌدم لكم يوم تفسير لهذه العملية وهل لكم في حركة النهضة تفسير لذلك؟ حركة النهضة عانت، على غرار العديد من الأحزاب، من عملية زبر قوائم مترشحيها. لكن في الانتخابات التشريعية الأخيرة، قلّت هذه العملية، بعدما أحيلت مهمة الإشراف على الانتخابات للسلطة القضائية. لكن مع ذلك تم تعويض الزبر الذي كانت تمارسه الإدارة، بذريعة أخرى اسمها ''خطر على النظام العام''. والهدف من الزبر، بالنسبة لنا، هو تحييد مترشحينا الذين يحظون بالمصداقية لدى المواطنين. ولاحظنا أن أسلوب الزبر تعتمده السلطة، خاصة لدعم الوزراء المرشحين. وهناك هدف ثانٍ تبحث عنه السلطة، من خلال زبر قوائم المترشحين، هو شن حملة نفسية على المترشحين، إذ غالبا ما يتأثر كل المترشحين نفسيا بمجرد زبر رأس قائمتهم وتختلط عليهم الأوراق. لكن في الانتخابات الأخيرة، تمت إعادة الاعتبار للعديد من المترشحين الذين أسقطت الإدارة أسماءهم تحت ذريعة ''خطر على النظام''. إذن، تعتبرون إشراف القضاء على العملية الانتخابية تطورا إيجابيا؟ تكليف القضاء بالإشراف على العملية الانتخابية غير كافٍ، لأن الإدارة مازالت مهيمنة والقضاة يتعاملون مع المعطيات التي توفرها الإدارة بعيدا عن الأحزاب المتنافسة في الانتخابات. وعليه، نرى أن الإشراف القضائي هو مجرد توريط للسلطة القضائية في فبركة نتائج الانتخابات، ولا يمكن أن ننتظر عملية انتخابية حرة ونزيهة إذا لم يتم إبعاد الإدارة عنها. هناك حالات تم فيها إعادة الاعتبار للمترشحين وأخرى تم تثبيت زبرهم. ما هو التفسير أو الدليل الذي يقدمه لكم القضاة؟ لحد الآن لا ندري ما هو معنى الخطر على النظام العام. في عين تموشنت مثلا، تم إسقاط اسم نائبنا الحالي عن هذه الولاية وأعيد له الاعتبار وفاز في الانتخابات. ولدينا مترشحون آخرون، أعيد لهم الاعتبار في العاصمة ولم يقدم لنا القضاء أي تبرير. أما الحالات التي ثبت فيها قرار الإدارة بالزبر، فالقضاة يكتفون برفض الطعون التي نقدمها شكلا ولا يقدمون أي تبرير أو تفسير لذريعة ''الخطر على النظام العام''. عفوا، تذكرت تفسير الإدارة لبعض الحالات، وتتعلق بمترشحين كانوا ينتمون للفيس. ولذلك نحن نطالب باستكمال المصالحة الوطنية، لأن مواطنين كثيرين حكمت العدالة بعودتهم إلى مناصب عملهم ولم يعودوا بعد، وفوق ذلك مازالت تهمة ''خطر على النظام العام'' تطاردهم. حاوره: م. إيوانوغان المحامي مقران آيت العربي ل''الخبر'' رفض مترشح بسبب النظام العام يعني أنه يستوفي كل الشروط للترشح هل يمكنكم كرجل قانون تقديم تفسير دقيق لتهمة ''الخطر على النظام''؟ هذه ليست تهمة، أنتم تتحدثون عن إبعاد مترشحين بسبب الخطورة على النظام العام. وتقدير مدى خطورة شخص على النظام العام مسألة نسبية، لذلك بالنسبة للترشح لأي انتخابات، ينبغي احترام الشروط القانونية حتى لا يبقى مجال للإدارة لتقرر من يقبل ترشحه ومن يرفض، لأن ذلك قد يؤدي إلى التعسف. هذا من جانب ومن جانب آخر، لا يمكن للقضاء أن يراقب قرار الإدارة إذا كان المعيار الوحيد هو تهديد النظام العام، لأنه أمر مطاطي وما يهدد النظام العام في مكان لا يهدده في مكان آخر. وفي اعتقادي، عندما ترفض الإدارة ترشح شخص ينبغي أن تسبب ذلك وفقا لمعايير موضوعية. لكن، تهمة ''الخطر على النظام العام'' موجودة في القانون. أين تبدأ وأين تنتهي سلطة تقدير القاضي لإثبات أو إسقاط هذه التهمة؟ القانون لا يعاقب قبل الفعل، ولابد من الفعل حتى يقدّر القاضي ذلك. مسيرة مثلا تتحول إلى تحطيم وشجار، هنا يوجد فعل الإخلال بالنظام العام وليس تهديدا فقط. لكن عندما قرر وزير سنة 86 وضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية في الصحراء وأنا كنت من هؤلاء، بحجة ''سلوكات قد تهدد النظام العام''، هذا يدخل في باب التعسف. ونفس الشيء ينطبق على إسقاط مترشح من قائمة انتخابية بسبب النظام العام، إنه غير قانوني ومعناه أن الشخص تتوفر فيه كل شروط الترشح والإدارة تريد إبعاده وتختفي وراء هذا المصطلح. الأحزاب المعنية بزبر مترشحيها سجلت تقلص استخدام هذا الإجراء في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أشرف عليها القضاة مقارنة بالسابق، حيث كانت للإدارة السلطة المطلقة في قبول أو رفض أي مترشح. هل هذا تحسن في أداء القضاء الجزائري؟ بالنسبة لي، لم يحدث أي تطور. لا بد من التمييز بين الإشراف الإداري للقضاء على الانتخابات وحق الطعن المضمون لكل من يتضرر من أي قرار إداري. فهذا الحق معمول به دائما، ومن رفض ترشحه في الانتخابات، هناك طعن قضائي لا علاقة له بالتعديلات الأخيرة لقانون الانتخابات. لكن هناك شروطا قانونية ووقتا معينا لتقديم هذه الطعون على الأحزاب أن تحترمها وتقدم طعونها في الوقت المناسب. وفي اعتقادي، إذا اكتفت الإدارة بعبارة تهديد النظام العام العام، فالقضاء الإداري يرفض ويأمر بتسجيل المترشح أو قبول القوائم المرفوضة. حاوره: م. إيوانوغان