يعتقد الدكتور بشير بويجرة، أن تعامل النقد مع الأدب كجنس إبداعي جمالي يشوبه شيء من الاهتزاز المنهجي، وفيه الكثير من الأحكام العامة، ويسير وفق منطق النقد والقبول. وقال بويجرة في حوار مع ''الخبر''، إنه يجد نصوصا روائية لروائيين شباب، وحتى من بعض الذين كانوا شعراء وتحولوا إلى كتّاب الرواية، تفوق في جمالياتها وتقنياتها ما أبدعه كهول الرواية الجزائرية. في خضم غياب النقد الأدبي إعلاميا، هل يساور النقد الجامعي الرواية الجديدة في الجزائر؟ أرى بأن منظومتنا التذوقية للجمال تعاني من معوقتين، هما تقصير الإعلام في إنماء هذه السجية وهذا الذوق، لما لدور الإعلام من صناعة ذائقة لدى الإنسان، ولما لعبه في نشر النصوص العالمية وفي التسويق للمناهج النقدية. وانعدام هذه الذائقة أو ضعفها يعود إلى أسباب تاريخية. وعقدية..''.الشعراء يتبعهم الغاوون...'' الآية الكريمة. يبدو لي أن العطاء الجامعي في المجال النقدي الأكاديمي عطاء متميزا ومحترما، ويمكن إحصاء الآلاف من البحوث الجامعية. والمئات من المجلات الجامعية. لكن دون اعتماد أسلوب النشر كآلية من آليات التواصل الناجح بين ما ينشر في الجامعة، وبين من يستهلك هذه البحوث. وكيف يمكن تقديم هذا الفضاء الروائي الجديد، بالأخص من حيث التوجه العام والمواضيع التي تتناولها الرواية الجديدة؟ أتصور بأن تعاملنا مع الأدب كجنس إبداعي جمالي يشوبه شيء من الاهتزاز المنهجي وفيه الكثير من الأحكام العامة، على الرغم من أن الجزائر كانت وما زالت تنتج أدبا يتماشى مع كل مرحلة. ولعل الصيغ التالية تبين بعضا من ذلك، منها اتهام الرواية الجزائرية بالتخمة الأيديولوجية في السبعينيات، واتهامها بالاستعجال في فترة المحنة الوطنية، واعتبارها الآن خارج السياق الحضاري التاريخي للمجتمع الجزائري وسيرة ذاتية، لأكبر دليل على ذلك. أما الحقيقة النقدية فيجب أن تقوم على مدارسة كل نص على حدة، وتبيان ما يحتويه من جماليات وتقنيات. ثم نصدر حكمنا عليه وحده فقط، دون ربطه ببقية النصوص لنفس الروائي أو ربطه بالروائي ذاته. لقيت الرواية الجديدة رفضا من قبل بعض المهتمين بشؤون الرواية، إلى ماذا يمكن إرجاع ذلك حسب رأيكم؟ نتيجة لكل ما سبق نجد في سوق نقدنا الأدبي تقييمين يتجسدان في الرفض أو القبول المطلقين. والغريب أن هذا الحكم يتغير إذا ما قيض لهذا النص، الذي وقع عليه هذان التقييمان، أن يقيّمه دارس غير جزائري، وهي سلوكات لا تختلف كثيرا عن سلوكات السياسيين عندنا. ويبدو لي أن سبب ذلك يرجع إلى ترسبات معقدة، قد يسمح لنا مناقشتها في فرصة أخرى، وإلا فإن جمالية النص لا ترتبط بفترة زمنية وحدها ولا بجيل محدد، بل ذلك مشاعا بين الأزمان كما هو متداول بين الأجيال. وأنا شخصيا أجد نصوصا روائية لروائيين شباب وحتى من بعض الذين كانوا شعراء وتحولوا إلى كتّاب الرواية تفوق في جمالياتها وتقنياتها ما أبدعه كهول الرواية الجزائرية.... بدأ الحديث أولا عن ''الأدب الاستعجالي''، هل كانت هناك نية لتقزيم هذه الرواية الجديدة ورفض إعطائها حقها؟ إن تجذّر الثقافة الأدبية التي أشّرت إليه في النقاط السابقة هي التي أنتجت هذا الحكم على الأدب بصفة عامة الذي أبدعه أدباء أغلبيتهم شباب عندما سكت الكهول أثناء المحنة الوطنية.. الشباب الذين فضّلوا البقاء داخل الجزائر وكتبوا عن معاناة الجزائر في العمق وفي المعاينة وليس بواسطة نشرات الأخبار المأجورة.. وعليه، فإن ما كتبه الأدباء الجزائريين في هذه الفترة هو أدب له ما له وهو الغالب الأعم، وعليه ما عليه نتيجة لانعدام التجربة. فالموضوع يحتاج إلى توسعة وإلى نقاش معمّق. وعليه، فإني أجد إطلاق هذا الاسم لا يخلو من غايات ومقاصد مبيّتة. واليوم هناك تركيز على نقد هذه الرواية من حيث كونها تعتمد على ''الاعترافات'' فقط، هل معنى هذا أنها لا تسير في اتجاه الرواية التي تقوم على البناء الهندسي؟ أجد أن الأدب الجزائري كان رفيقا صادقا لمسيرة حالنا عبر كل المراحل والفضاءات والتجاذبات، مما جعله يستولد خصائص ومميزات قلّ ما استفاد منها أدب آخر. لكن مع الأسف الشديد لم يجد من يسوّقه، وبخاصة بعد انفتاح سبل النشر، وبعد توفر قنوات النشر المتعددة لتداول المبتغيات الجمالية ضمن منطوق النصوص الأدبية. زيادة على الإغراءات المالية وأضواء النجومية والشهرة التي باتت تلاحق كتّاب النص الروائي. مع التأكيد على أن النص الروائي على عهدنا أصبح هو النص الأدبي الذي يعبر بصدق عن تشرذم الإنسان ويرسم بأمانة صعلكة الحياة داخل مخبآت الذات الإنسانية المعاصرة. مما جعلنا نلاحظ كما هائلا من النصوص الروائية على حساب بقية الأجناس الأدبية الأخرى. وتلك ظاهرة أراها غير مزعجة لأن صيرورة التدقيق الأدبي ستفرز كل ذلك وستنقيه. وأنا أقول ذلك لأني أجد هذا الزخم يحمل الكثير من الدلالات الإيجابيات مثل تعدد المضامين. توظيف تقنيات وآليات التناص. ابتعاد النصوص عن المضامين الكلاسيكية. اعتماد أسلبة الغرابة. محاولة إنشاء معجم لغوي سردي متميز. تحميل بعض الإلماحات الفلسفية والصوفية، بروز نقد فني هادئ لبعض القضايا الاجتماعية، توظيف مختلف الفضاءات الجزائرية، صحراء ..آثار..إلخ... شاعرية اللغة. حوصلة وتقديم رؤى حول الحياة المعاصرة بواسطة الشباب المتمكن من فك رموزها الاجتماعية. لأخلص من كل ذلك إلى أن النقد الجامعي يشتغل بقوة على الرواية الجزائرية، لكن الغائب الأكبر في كل ذلك هو الفضاءات التي تناقش فيها هذه المسائل والقضايا، زيادة على انعدام الاهتمام بكل ما هو أدبي، وتلك ذائقة يمكن ترقيتها بواسطة السبل الإعلامية المتنوعة. وأتصور بأن ما يقوم به النزر القليل جدا من الإعلاميين المتميزين الذين يشتغلون على النص الأدبي وإيلائه أهمية خاصة في استراتيجية تواصلنا المعاصر، يلعب دورا تأسيسيا جادا في مسعى خلق ذائقة فنية يجب أن تسكن وعي شبابنا، وخاصة أولائك المنتسبين إلى المؤسسات التعليمية المختلفة.