في ذكرى الهجرة النّبويّة الشّريفة، وككلّ عام، يسعى المسلمون لاستخلاص العبر والدروس منها ومن سيرة سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لعلّهم يستفيدون منها لتقليص آلامهم من خلال ضخ آمال جديدة، ونأمل عبر هذه السطور عرض بعض هذه العبر لتجديد الآمال. نزل الوحي الأمين إلى سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليخبره بما يدبّره المشركون، وأنّهم أجمعوا على قتله، وأن اللّه يأمره بالهجرة إلى يثرب (المدينةالمنورة فيما بعد)، فيطلب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من ابن عمّه عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه أن ينام في فراشه، ويخرج عليه الصّلاة والسّلام من باب داره ليلاً والمشركون مجتمعون، تاليا قول اللّه تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سُدًا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سُدًا فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}، وهو يذرّ التراب فوق رؤوسهم، فمرّ من بين أيديهم ولم يروه. وقد غادر النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم مع صاحبه أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه مكة، وسلكَا طريقًا غير الطريق المعتاد الّذي تسلكه القوافل، فاتّجها جنوبًا إلى جبل ثور، ودخلاَ الغار الّذي نسج عليه العنكبوت خيوطه، وحطّت على بابه يمامتان، وتبعهما كفار مكة حتّى انتهى الأثر إلى الغار، فيقول أبو بكر: يا رسول اللّه لو نظر أحدهم موضع قدميه لأبصرنا، فيردّ عليه الصّلاة والسّلام: ''ما ظَنُّك يا أبا بكر باثنين اللّه ثالثهما''، قال تعالى: {ثَاِنَي اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}، ويقول أحد المشركين دعونا ندخل الغار، فيجيبه آخر كيف يكونَا قد دخلاَ وقد نسجت العنكبوت خيوطها، واليمامتان على باب الغار، لو دخلاه لمَا بقي العنكبوت ولا اليمامتان، فحمَى اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحبه رضي اللّه عنه ببيت العنكبوت واليمامتين. ثمّ رُصدت مائة ناقة جائزة لِمَن يأتي بمحمّد صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحبه، ويصل الخبر سراقة بن مالك، فيذهب في إثرهما طلبًا للجائزة، فيعثر به جواده، ويقول صلّى اللّه عليه وسلّم: ''يا سراقة ارجع ولك سواري كسرى''!! (ويوم فُتِحَت فارس في عهد عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، أرسل في طلب سراقة بن مالك، فجيء به شيخا كبيرا، نَسِيَ أو لعلّه يتذكّر، وألبسه سواري كسرى، قائلاً هذا عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليك). فحمل عَهْدُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسراقة عدّة نبوءات، منها فتح بلاد فارس، ومنها بقاء سراقة على قيد الحياة إلى أن تُفتح فارس ويلبس سواري كسرى، وهو ما تمّ بعد وفاته صلّى اللّه عليه وسلّم. ولَمَّا مرّ صلّى اللّه عليه وسلّم في رحلته بخيمتي أمّ معبد الخزاعية، سألها إن كان عندها شيء يتزوّدان به، فلم يكن عندها إلاّ شاة خلّفها الجهد عن الغنم، فسألها: هل بها من لبن، فقالت: هي أجهد من ذلك، فَمَسَح رسول اللّه عليه الصّلاة والسّلام ضرعها بيده، فحلبها وشربوا منها وارتووا جميعهم.