برزت أزمة جديدة في الأفق بين الجزائر وإيطاليا، ستساهم، حسب المراقبين، في تقويض كلي لمشروع أنبوب الغاز الرابط مباشرة بين البلدين، والمعروف تحت تسمية ''غالسي''. المشروع الذي عرف تأخرا، يمكن ألا يعرف طريقا للتجسيد، بفعل ما اعتبرته الجزائر توجها إيطاليا متناقضا مع المساهمة في مشاريع منافسة، من بينها مشروع ''ساوستريم'' الروسي. ويأتي الخلاف الجزائري الإيطالي الجديد، ليضاف لخلاف آخر متعلق برغبة روما في إعادة النظر في أسعار الغاز وفقا للعقود طويلة الأجل. ورغم تزوّد إيطاليا بنسبة 30 بالمائة على الأقل من الغاز الجزائري، خاصة من خلال أنبوب ''أنريكو ماتيي'' المار عبر تونس، إلا أن الشركات الإيطالية بدأت تباعا تطالب بمراجعة الأسعار الجزائرية وبإدراج مؤشر ''السبوت'' ضمن حساب الأسعار، علما أن معدل أسعار الأسواق الحرة، يتراوح ما بين 3 و4 دولارات لمليون وحدة حرارية، بينما معدل أسعار العقود طويلة الأجل، يتراوح ما بين 7 و8 دولارات لمليون وحدة حرارية. وبعد أن عرف مشروع ''غالسي'' تأخرا في التجسيد، حيث كان منتظرا تسليمه مع نهاية السنة الحالية، برز تباين في المواقف بخصوص مسار الأنبوب داخل التراب الإيطالي، خاصة المسار الخاص بجزيرة صقلية. وأبدت السلطات الجزائرية انزعاجا من تماطل الشركاء الإيطاليين وبازدواجية مواقفهم، خاصة بعد الكشف عن سعي مجمع ''ايني'' للدخول كمساهم في مشاريع منافسة على رأسها أنبوب الغاز الروسي ''ساوستريم''، في وقت كانت الجزائر قد أنهت كافة التحضيرات لتجسيد مشروع ''غالسي''. ورغم مباشرة مجمّع سوناطراك والشركات الإيطالية لمفاوضات، إلا أن مشروع ''غازدوتو ألجيريا صقلية إيطاليا''، المعروف اختصارا ب''غالسي''، ظل رهين اتفاق نهائي بين الحكومتين لمباشرة عملية الاستثمار الفعلي، بعد أن تم تحديد هذه السنة لتجسيده، في أعقاب تسوية المسار المخصص لأنبوب الغاز الذي يمرّ عبر جزيرة صقلية. لكن زيارة رئيس مجلس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي، في 14 نوفمبر الماضي للجزائر، لم تأت بأي جديد، بل إن ملف ''غالسي'' لم يتم التطرق إليه إطلاقا بين الجانبين، وفهم الجانب الجزائري بأنها رسالة ضمنية من قبل الطرف الإيطالي بعدم الرغبة في الذهاب بعيدا في هذا الملف حاليا، خاصة أن إيطاليا تعاني من أزمة هيكلية وأن توقعات استهلاك الغاز تفيد بتراجع وانكماش محسوس خلال السنوات المقبلة، مقارنة بالتوقعات السابقة. ويمتد أنبوب الغاز المار مباشرة من الجزائر إلى إيطاليا على مسافة 1505 كلم، ويزوّد إيطاليا بالغاز الجزائري انطلاقا من حقل حاسي الرمل، مرورا بمدينة ''بورتو بوتو'' بصقلية. وتقدّر قيمة المشروع بحوالي 3 ملايير دولار، مع برمجة ضخ 8 ملايير متر مكعب سنويا من الغاز الجزائري إلى إيطاليا. وتأجل موعد بداية المشروع رسميا ثلاث مرات على الأقل منذ 2010، حيث كان متوقعا دخول الخدمة في 2012، ثم في ,2014 إلا أن عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين حال دون ذلك. وتعتبر سوناطراك أهم مساهم في المشروع بنسبة 60 ,41 بالمائة، مقابل80 ,20 بالمائة لشركة ''إيديسون'' الفرع الحالي لغاز فرنسا. كما تمتلك اينيل للطاقة نسبة 60,15 بالمائة من رأس المال، مقابل 40,10 بالمائة لشركة ''هيرا'' الإيطالية و60, 11 بالمائة من نصيب منطقة صقلية، أي أن الجانب الإيطالي يمتلك الأغلبية مجتمعة بنسبة 4, 58 بالمائة. ويعود المشروع إلى سنة 2007 في أعقاب التوقيع على مذكرة تفاهم، إلا أن الطلب في السوق الإيطالية عرف منذ 2010 انخفاضا، وهو ما تجلى في تراجع الصادرات الغازية الجزائرية عبر الأنبوب الأول ''ترانسماد'' أو ''انيركو ماتيي''، في سياق انخفاض صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي عموما من 63 مليار متر مكعب إلى 55 مليار متر مكعب سنويا.