ما تواتر من سجال سياسي لدى ''مساعي'' تنصيب المجالس البلدية والولائية التي أفرزتها انتخابات 29 نوفمبر، في مجرد مادة واحدة، رقمت ب(المادة 80) وهي ''بند قانوني'' بقدر ما راهنت عليه مصالح الوزير ولد قابلية لحسم صراع المنتخبين في ترؤس المجالس البلدية، بقدر ما أحيل (البند) لقراءات أسالت لعاب المنتخبين ''الصغار'' وقزمت حظوظ ''الكبار''. تنتهي، اليوم، المهلة القانونية المحددة في قانون الانتخابات لتشكيل المجالس البلدية والولائية، في مادته 80 التي تنص على أن رئيس المجلس الشعبي البلدي ينتخب من بين أعضائه رئيسا له للعهدة الانتخابية في غضون الأيام الخمسة عشر (15) الموالية لإعلان نتائج الانتخابات. هل أخطأت الحكومة لما أدرجت تعديل قانون الانتخابات ضمن قوانين الإصلاح السياسي؟ بعدما تبين لها أنها وقعت في فخ ''فتاوى'' فتحت عليها جبهة مضادة من ''صلبها''، بتأكيد حزب جبهة التحرير الوطني الذي راهن مسؤوله الأول على اكتساح ما تبقى من مجالس بلدية، أن فتوى مصالح الوزير ولد قابلية بالعودة إلى المادة 80 من قانون الانتخابات دون سواها من مواد قانون البلدية (المادة 65)، يعد ''خطرا''، بل أن ''حشر'' وزارة الداخلية أنفها في مسعى تفسير الأحكام القانونية ''مردود عليها''، مثلما صرح قاسة عيسي الناطق الرسمي لحزب الأغلبية الذي هيمن رفقة شريك حزبه، الأرندي، على تعديلات القانون العضوي للانتخابات داخل قبة البرلمان، قبل صدوره رسميا يوم 12 جانفي الماضي، وطمأن نفسه وأتباعه بأن السيطرة السياسية باقية تحت إبطه مهما بلغت درجة حرارة الربيع العربي، لكن الأفالان الذي يفخر بأن له خزانا من القانونيين والمحامين لم يكن يتوقع أن ينقلب عليه السحر، بمجرد مادة في القانون أتاحت الحق لأحزاب صغيرة قد لا يتعدى عدد المقاعد المتحصل عليها في اقتراع 29 نوفمبر مقعدا واحدا في أن تترأس البلدية، عوض أن تحصل على مقاعد أقل ولو بقليل من نصاب الأغلبية المطلقة، أو صاحب المرتبة الأولى، إذا أتقن مترئس قائمته الانتخابية لعبة التحالفات أو نجح في شراء الذمة السياسية لمنتخبي الشتات ب''الشكارة''، رغم أنف الأفالان والأرندي. ولا يتوقع أن تنصب كل المجالس البلدية، في غضون المهلة المحددة قانونا، إذا استمرت الاجتهادات المتضاربة في تفسير نص المادة (80) التي ''فخخت'' المجالس البلدية قبل تنصيبها، وعصفت بأحقية صاحب المرتبة الأولى طبقا لنتائج الانتخابات، في ترؤس البلدية، وفي الفتوى التي أقرتها الداخلية، تبعات سلبية متعددة الأوجه: سياسيا، كون من تحصل على مقاعد محدودة وله الحق في تقديم مرشح لرئاسة البلدية كغيره من أصحاب المراتب الأولى، ثم فاز بها، لا يحوز على التمثيل السياسي الذي يمكنه من مقارعة منتخبي الأحزاب المتحصلة على أكبر المقاعد، وأخلاقيا، كون لا يمكن إسناد مهمة رئاسة البلدية لمنتخب لم ينتخبه المواطنون إلا القلة القليلة، بحكم الصحبة أو الجيرة، واجتماعيا، لا يمكن للمواطنين تبليغ انشغالاتهم لمنتخب ''غريب'' عليهم، وبالتالي فإن المجالس التي طالها تصريف المادة 80 من قانون الانتخابات، وسقطت في فخ ''الأقلية هي التي تسير''، محكوم عليها بالانسداد من بداية عهدتها. المفارقة أن من أوصل الأمور إلى هذا الحد من التشرذم، صار هو الضحية الأولى، وفوق ذلك كله، يطرح تساؤل بعلامة استفهام كبيرة، عن بلد بحجم الجزائر، لم يستطع خبراؤه سن قانون انتخابات واضح وخال من شوائب تأويلات واجتهادات تعطي الحق للجميع وتنتزعه من الجميع في أن واحد، خارج دائرة من يريد الإبقاء على الوضع القائم في سلم ترتيب الكيانات الحزبية، تماما مثلما تكرس منطق ''الإلغاء'' كما حصل مع إبطال المادة 65 من قانون البلدية بدلا من منطق ''الانسجام'' بين بنود القوانين، وهي عملية (الانسجام) كان يفترض أن يختم عليها قبل الشروع في صياغة قانون الانتخابات.