خُلق التّواضع من الأخلاق الفاضلة الكريمة والشيم العظيمة الّتي حثّ عليها الإسلام ورغَّب فيها، فقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، مع علو قدره ورفعة منصبه، أشدّ النّاس تواضُعًا، وألينهم جانبًا، وحسبك دليلاً على هذا أنّ اللّه سبحانه وتعالى خيَّره بين أن يكون نبيًا ملكًا أو نبيًا عبدًا فاختار أن يكون نبيًا عبدًا، صلوات اللّه وسلامه عليه. وكان صلّى اللّه عليه وسلّم يمنع أصحابه من القيام له، وما ذلك إلاّ لشدّة تواضعه، فعن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال: خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متكئًا على عصًا، فقُمنا له، قال: ''لا تقوموا كما يقوم الأعاجم، يعظِّم بعضهم بعضًا''، رواه أحمد وأبو داود. وخُلق التّواضع كان سمَةً ملازمةً له صلّى اللّه عليه وسلّم في حياته كلّها، في جلوسه، وفي ركوبه، وفي أكله، وفي شأنه كلّه. ففي أكله وجلوسه نجده يقول: ''إنّما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد''، رواه ابن حبان، وفي ركوبه يركب ما يركب عامة النّاس، فركب صلّى اللّه عليه وسلّم البعير والحمار والبغلة والفرس، قال أنس رضي اللّه عنه: ''كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف''، رواه الترمذي. وفي سنن ابن ماجه، عن قيس بن أبي حازم، أنّ رجلاً أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقام بين يديه فأخذته رعدة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ''هوّن عليك فإنّي لستُ بملك، إنّما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد''.