قال الحقّ سبحانه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} الأنعام:59، عن ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:''{مَفَاتِحُ الغَيْبِ} خَمْسٌ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنْزِلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} لقمان:34''، رواه البخاري. وفي رواية: ''مَفَاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ:... وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ''، رواه البخاري. هذا أصل من أصول العقيدة الإسلامية معلوم من دين الإسلام بالضرورة، لا يخفى على عالم ولا جاهل، ولا كبير ولا صغير. وسأرجع إلى الكلام على السّاعة، وهل يمكن لبشر أن يتنبّأ بزمن وقوعها، بعد توضيح الأصل الكليّ الّذي تندرج تحته هذه المسألة، وهو أنّ علم الغيب لا يعلمه إلاّ اللّه، فادّعاء معرفة زمن السّاعة مسألة جزئية من قضية ادّعاء الغيب، الّتي ادّعاها، عبر التاريخ، الكهنةُ والعرّافون، ولقيت رواجاً عند كثير من النّاس، لطبيعة الفضول والتطلّع لما هو آتٍ الّتي فُطرنا عليها. والإسلام كان حاسماً في حربه على الكهانة والعرافة؛ ففي الحديث: ''مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً''، رواه مسلم، وفي الحديث أيضاً: ''مَنْ أَتَى كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ''، رواه ابن ماجه. ذلك أنّ الكاهن - سواءً كان من كهّان قبائل العرب أو من كهّان قبائل المايا- تعدّى على مقام الرُّبوبية، ونسب لنفسه ما هو للّه ليس لغيره، فلا يعلم الغيبَ أحدٌ إلاّ اللّه، لا نبيّ مرسل ولا ملك مقرَّب، فضلاً عمّن هو دونهما. قال اللّه تعالى على لسان نوح عليه السّلام: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} هود:31، وقال تعالى لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} الأنعام:50، وقال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} الأعراف:188. وقالت عائشة: سَأَلَ أُنَاسٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنِ الْكُهَّانِ؟ فَقَالَ لَهُمْ رسول اللهِ صلّى اللّه عليه وسلّم: ''لَيْسُوا بِشَيْءٍ''، رواه البخاري ومسلم. والقرآن الكريم كان قاطعاً في مسألة علم الغيب، كما كان واضحاً وضوحاً شديداً: {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} يونس:20، {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} النمل:65، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا × إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الجن:26-27، أَيْ لَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى واصْطَفَى لِلنُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ يُطْلِعُهُ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ غيبه، يطلعه على قليلٍ قليلٍ من كثير!! ثمّ إنّ اهتمام النّاس بالسّاعة وسؤالهم عن زمن وقوعها قديم، اهتمّت به كلُّ الأمم والأقوام، وعاشوا مع الخرافات والأوهام!! وحتّى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سُئل مراراً: متَى السّاعة؟ وأقلّ ذلك خمس مرّاتٍ ثابتاتٍ في القرآن والسنّة: الأولى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الأعراف:187، ويلاحظ أنّه تكرّر في الآية قوله: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي}، {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي}. الثانية: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} الأحزاب:63. الثالثة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا × فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا × إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا × إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا × كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} النّازعات:42-46. الرابعة: سؤال جِبْرِيلُ عليه السّلام قال: يَا مُحَمَّدُ، فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ قال: ''مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ''، رواه مسلم. الخامسة: سأله أَعْرَابِيُّ فقال: يَا مُحَمَّدُ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قال: ''وَيْحَكَ! إِنَّهَا كَائِنَةٌ، فَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟..''، رواه مسلم. فهذه أجوبة القرآن الكريم وأجوبة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صريحة قاطعة في استحالة أن يعلم بشرٌ، كائن مَن كان، متَى تكون السّاعة، وفيها توجيهٌ لما هو أهم؛ وهو الإعداد لها، ثمّ متَى تأتي فلتأتِ!! فما شاع من خرافة نبوءة قبيلة ''المايا'' أنّ القيامة ستكون يوم 21 /12/ 2012م ما هي إلاّ سخافة لا تستحقّ أن تروى، بل تُرفض وتُردّ وتُطوى، والأسفُ شديدٌ أن يصدّقها مؤمنٌ، وينسى مقتضى عقيدته: أنّ الغيب لا يعلمه إلاّ اللّه العليم الخبير! *استاذ الشريعة بكلية العلوم الإسلامية - الجزائر