ضرب مصنع اليرموك رابع عملية عسكرية إسرائيلية موجّهة ضدّنا هناك علاقات عسكرية بين السودان وحماس وإيران، وإسرائيل لا تستطيع الاقتراب من طهران وتمارس وحشيتها ضدّ الحلفاء يرى الإمام الصادق المهدي، رئيس المنتدى العالمي للوسطية ورئيس حزب الأمة القومي السوداني، أن نسمات الربيع العربي ستطال جميع الدول العربية التي خيّمت عليها السلطة الأحادية، والتي أدّت إلى الاستقطاب الحاد بين الحكّام والشعوب، مؤكّدا، في حوار مع ''الخبر''، أن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة والهجوم على مصنع اليرموك في السودان مجرّد تصفية حسابات مع المعسكر الإيراني، بعدما تكشّف لدى إسرائيل عدم مقدرتها على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، ورفض أمريكا مساندتها. ونوّه الصادق المهدي على حتمية تغيير نظام البشير الذي وصفه ب''الفاشل''، لافتا إلى أن هناك ثلاثة سيناريوهات متوقّعة للخرطوم، إما تغيير مدني أو ثورة مسلّحة أو انقلاب عسكري. بداية، ما هي قراءتك للمشهد السياسي في المنطقة العربية، في ظلّ ما بات يُسمّى ''الربيع العربي''؟ الحقيقة أن السلطة الأحادية التي خيّمت على العالم العربي هي المسؤولة عن الاستقطاب الحاد بين الحكّام والشعوب، وهذا الاستقطاب أدى حتما إلى الانفجار. وكان عندنا نادي اسمه ''نادي مدريد''، ضمّ كل رؤساء الدول في العالم. وهذا النادي طاف بالعديد من الدول العربية. ما بين سنتي 2006 و2008، آخرها مؤتمر انعقد في البحر الميت بالأردن، ودعونا ممثّلين ل12 دولة عربية، من أحزاب حاكمة ومعارضة، وأطلقنا نداء شهر جانفي 2008، قلنا فيه إن هناك استقطابا حادا، حسب رؤيتنا، بين الحكّام والشعوب في الدول العربية، وأن هذا الاستقطاب ما لم يُعالَج سوف يؤدّي إلى انفجار. وفعلا، كنّا نتوقّع هذا الانفجار الذي بدأ في تونس، فيما سُمّي ''الربيع العربي''، وأنا سمّيته ''الفجر العربي الجديد''. هذا الفجر الجديد جاء في وقت صار الاحتقان والاستقطاب حادا، لكن القوى الحاكمة، للأسف في أغلب الدول العربية، كانت قد مزّقت الجسم السياسي لهذه البلدان بصورة لم تسمح بأي نوع من أنواع التطوّر، وأضعفت الأحزاب السياسية والانتخابات ومنظّمات المجتمع المدني وكلّ وسائل التنظيم الحرّ. لكن قبضة هذه النُظُم التي تقوم على السلطة الأحادية ضعفت لأسباب كثيرة، وهذا ما أدّى إلى الانفجار في وقت، للأسف، لم تكن القوى السياسية والمدنية مستعدة، لا ببرامج ولا بنُظُم بديلة، وبذلك دخلت القوى السياسية والقوى ذات المرجعية الإسلامية في السلطة، بصورة مفاجئة لها كما هي مفاجئة لغيرها، دون برامج معدّة أو قيادات مدرّبة، ولذلك فإن السلطة الجديدة، التي أتت نتيجة الثورة، واجهت مشاكل كبيرة جدا، في معالجة ومواجهة المشاكل التي تراكمت في ظلّ الحكم الأحادي. وهي تواجه من أول يوم ثلاث قوى راسخة في المجتمع، أنا أسميها ''الدولة العميقة''. كما يواجهون استقطابا حادا بين السلطة والمجتمع الذي يرفض المرجعية، وما بين السلطة ومؤسّسات الدولة الموروثة، سواء كانت المؤسّسات الأمنية أو القضائية، وما بين السلطة والمنظومة الدولية، فهم يواجهون مشاكل بهذا النوع في الوقت الذي ليس لديهم برامج جاهزة، حتى الشعار الإسلامي مستقطب، ما بين شعار ينفتح على الحداثة وآخر ينكفي على الماضي، فأصبحت هذه السلطة الجديدة في محنة، بالأخص في مصر وتونس، باعتبارهما كانا روّادا لهذا الفجر الجديد. وهذا الاستقطاب الحاد الذي تواجهه السلطة المنتخبة، في مصر وفي تونس، أدّى إلى نوع من الإحباط، باعتبار أن الموقف انتقل من استقطاب ضدّ طاغية إلى استقطاب ضدّ سلطة منتخبة. والبلدان التي حصل فيها انفجار أو تطلّع ديمقراطي فيما بعد، مثل اليمن وليبيا وسوريا، كان هناك استعداد من لدن السلطة الحاكمة، ولذلك لم يحدث تغيير بسهولة، مثلما حدث في تونس ومصر، بل تحوّل الأمر إلى استقطاب حاد، أدّى في ليبيا مثلا إلى تدخّل كبير لحلف الناتو، وفي اليمن تدخّل مجلس التعاون الخليجي، وأصبحت سوريا أرضية لتصفية حسابات إقليمية، سنية شيعية، ودولية، ما بين روسيا والصين وأمريكا. وللأسف، وُلد إحساس بأن الفجر الجديد عكّرت صفوه هذه العوامل، كما إن الحرية أتت معها تشقّقات للوضع، كانت موجودة ولكنها كانت تحت السطح. تشقّقات طائفية وعرقية وثقافية ومذهبية، قد تؤدّي إلى تفكيك المنطقة كلها، حيث أصبحنا أمام نوع من التكتّلات التي تدفعها عوامل طائفية. في رأيي، مع أن كل ما يحصل محزن، إلا أنه دليل على أنه هناك تحدّيا بأن تدرك المنطقة أن القبضة الحديدية للسيطرة الأحادية هي المسؤولة، وأصبحت هذه التشوّهات الموجودة في الجسم السياسي نتيجة حتمية لسيطرة الأحادية لفترة طويلة، مع حرمان المنطقة من التطوّر السياسي. لكن المهم من ذلك كله، هو هل تستطيع المنطقة العربية، وهي تواجه هذه المحن الكبيرة والتحدّيات، أن تحقّق تحوّلا ديمقراطيا بمرجعية إسلامية، مع إمكانية تحقيق وحدة وطنية وعلاقات دولية لا تقوم لا على العداء ولا التبعية، وإنما على الودّية والمصلحة المشتركة. وأعتقد أن المستقبل يتوقّف على إمكانية القوة الناعمة في المجتمع، إن كانت حية، حتى تستطيع التغلّب على هذه السلبية، وتحقّق أهداف الوحدة الوطنية والتنمية والتحوّل الديمقراطي، وما إلى ذلك، لأننا نواجه موقفا صعبا، فيه، فعلا، تطلّعات لانتقال سلمي من قبضة أحادية إلى نُظُم ديمقراطية، وهذه المشاكل تقتضي، من كل الأطراف المعنية اليقظة، لأنه إن لم يتمّ حلّ المشكلة سيحدث تفكيك وتمزيق للمنطقة يُغري التدخّل الأجنبي، وبالتالي سنصبح أمام إشكاليتين: تمزّق داخلي وهيمنة أجنبية. نسمات الربيع العربي هبّت أولا في تونس ثم مصر فليبيا، هل تتوقّع وصول هذه النسمات إلى الجزائر بحكم العامل الجغرافي؟ كلّ الشعوب العربية سوف تتطلّع إلى تغيير، بعدما ثبت وجود انفصال بينها على الصعيد السياسي والثقافي والوجداني، لكنها تلتقي عند لغة واحدة وتطلّعات مشتركة من بلد إلى آخر في المنطقة. ومن يدرك حتمية هذه التطلّعات يمكن أن يضع مشروع خارطة طريق لتحقيق الأهداف الوطنية الشعبية دون مواجهات، مثلما حصل في المغرب الذي حاول عمل إصلاحات استباقية، أو أن يتخلّف وتحصل مواجهات، وبالتالي إمّا أن تُجري المنطقة إصلاحات استباقية لتحقّق تحوّلا ديمقراطيا وتنمية وعدالة اجتماعية ووحدة وطنية، وإمّا أن يحدث انفجار. في تقديري، هناك مقاييس معيّنة، مثل حرية التعبير وانتخابات نزيهة حرّة وكفالة حقوق الإنسان وتلبية التطلّعات الاجتماعية، إذا تحقّقت لن يكون هناك داعٍ للدخول في مواجهات. وبصفة عامة، على جميع النُظُم العربية أن تنتبه إلى وجود تطلّعات مشتركة، بالرغم من وجود بعض الأشياء التي تُحبط أيّ تحرّك شعبي. والعقبات والمشاكل التي واجهت ثورات الربيع العربي، وكأنّما هذه الثورات والتغيير أسّس نوعا من التزكية للأنظمة السابقة، يتّضح ذلك جليّا في الانقسام في الرأي وغياب الأمن وهبوط المؤشّرات التنموية والاقتصادية، باعتبار أن ما حدث من تطوّر حقيقي في المنطقة لم تكن نتيجته إيجابية، في كثير من الأحيان، بل كان فيها سلبيات كثيرة، وهذا يجعل عناصر كثيرة تتردّد في الدفع بالتغيير دون أن يكون هناك ضمانات لها، حتى لا تقع في نفس ما وقعت فيه بلدان الربيع العربي، لكن حتى مع وجود حال من الإحباط بسبب الإخفاقات التي واجهت ثورات الربيع العربي، إلا أن التطلّع لتغيير ديمقراطي في المنطقة لن يتأثّر سلبا وسيكون موجود. والحكومة الأكثر استنارة تستطيع أن تستبق هذه الأشياء وتصنع وحدة وطنية مع القوى السياسية حول قضية التنظيم، وبذلك تتجنّب الثورة والصدام، والعكس يحدث عندما لا يحصل هذا النوع من التوافق، لأن الضغط الموجود يولّد الانفجار. وما تعليقك على محاولة الانقلاب الأخيرة في السودان، وسلسلة الاعتقالات التي طالت شخصيات عسكرية؟ ببساطة شديدة، الوضع في السودان، كالوضع في المنطقة كلها، محتدم يريد تغييرا لا شكّ في ذلك، لأن التغيير يزيل القبضة الأحادية الفاشلة، التي حصل في عهدها انفصال الجنوب، وحريق دارفور. ولأنها فاشلة أصبحت الآن تواجه أجندات التغيير. وهناك جماعة شكّلت جبهة أطلقت عليها ''جبهة التغيير''، تريد الإطاحة بالنظام بالقوة، ولها وجود الآن. ونحن نعمل على نظام جديد بوسائل نسمّيها ''الجهاد المدني''، يعني العمل الحركي غير المرتبط بالعنف، لكن هناك إمكانية أن يحدث تغيير عسكري، وكل هذه الأشياء، في تقديرنا، تأتي من موقف واحد، وهو أن النظام الموجود فاشل، وأنه لا بدّ من نظام جديد. ولا خلاف على ذلك بين كل العناصر، حتى بعض العناصر الموجودة داخل النظام، لكن تبقى الإشكالية في كيفية التغيير، إذ هناك من يريد القيام بثورة مسلّحة، والبعض بانقلاب عسكري، ونحن نريد التغيير المدني، لأننا نعتقد بأن الوسائل الأخرى غير آمنة، ويمكن أن تؤدّي إلى حرب أهلية. وكنا قد جرّبنا، قبل ذلك، التغيير في السودان مرتين بطريقة سلسة وسلمية، سنة 1964 و1985، وبالتالي فإن كلاّ من متبّني الانقلاب العسكري والجبهة الثورية وموقفنا ينطلقون من مبدأ واحد، وهو ضرورة نظام جديد، باعتبار أن هذا النظام فشل في جميع القضايا الحيوية. لكننا ضدّ الإطاحة بالقوة والانقلاب العسكري، لأن هذه الإجراءات ستؤدّي، في ظلّ الظروف التي تشهدها البلاد، إلى حرب أهلية، وكلامي هذا يفسّر حتمية محاولات مختلفة طالما أن النظام فاشل ولم يقم بأيّ تجاوب مع حركات التغيير. والغريب في السودان ليس أنه حصلت محاولة عسكرية، وإنما لماذا لم تحصل المحاولة العسكرية؟ لأن كل المعطيات الموجودة متطلّعة للتغيير. وهذه كلّها مؤشّرات للذين يحكمون بأن سلامتهم ومصلحتهم تقتضي أن يتّفقوا مع قوى التغيير في البلد على برنامج استباقي يحقّق أهداف التغيير. لكن بعض المحلّلين يرون أن الاعتقالات التي قام بها النظام رسالة من البشير، حتى يقول لهم إنه لا يزال على هرم السلطة، ما قولك؟ الذي حدث ليس برغبته، صحيح أنه حدثت اعتقالات حقيقية وليست مفتعلة، وذلك نتيجة لوجود احتقان وفشل النظام، لكن المشكلة تكمن في كيفية معالجة هذا الاحتقان. مثلما قلت لك، هناك ثلاث أجندات للتغيير: المدنية والثورية والانقلابية. والأجندات الثلاث متّفقة على أن النظام فقد صلاحيته، وضرورة وجود نظام جديد لكن وسائلها مختلفة. وإذا فكر النظام بعقلانية سيجد أن أحسن طريقة يتعامل بها مع أصحاب الأجندة السلمية تكون من خلال اتّخاذ إجراء استباقي، وفي حال تأخّره سوف يعطي الفرصة للتحرّكات الثورية والانقلابات العسكرية. وما حقيقة الصراع الذي تعيشه السودان بين الشمال والجنوب؟ الحقيقة أنه تمّ إقحام منطقة أبيي في الخلاف بين الشمال والجنوب، على الرغم من أن المشكلة متعلّقة بقبائل عربية وأخرى إنجيلية تعيش في المنطقة، ولا تستطيع الخرطوم ولا جوبا أو الأممالمتحدة حلّ هذه الأزمة، لأن الحلّ في يد قبائل المنطقة. وكنت أتمنّى ألاّ تدخل هذه المشكلة مجال السجال بين الخرطوموجوبا، وكان من المفترض أن يقولوا بأن هذه المنطقة يسكنها قبائل، ويجب أن يتّفقوا على حلّ المشكلة. وأي حلّ بين الجهتين، وأقصد جوباوالخرطوم ويفرضه مجلس الأمن، لن ينجح، لأن المعني بالحلّ هي القبائل التي تسكن المنطقة. وكانت الجبهتان قد حصلتا على تحكيم دولي ووافقتا عليه، لكن إحدى قبائل المنطقة رفضته، لذلك عادت المشكلة إلى المربّع الأول. لذا يجب أن نعترف بأنه لا يمكن حلّها بين الخرطوموجوبا ولا مجلس الأمن أو التحكيم الدولي، الحلّ هو أن نعترف بضرورة مشاركة مكوّنات المنطقة، لذا يجب أن تُفرغ هذه الأزمة من كونها موضوع سجال بين الخرطوموجوبا، وتُترك على أساس أن حلّها في يد أهالي المنطقة، ويُسند إليهم حلّها ومستقبلها كما يرونها. وماذا عن الأوضاع في دارفور، التي يُتّهم فيها البشير بالإبادة وجرائم حرب؟ نظام البشير فشل وتسبّب في حريق دارفور، وهذه نتيجة مباشرة لسياسات النظام. صحيح أنه كان هناك مشاكل في دارفور منذ البداية، لكن الذي عمّق هذه المشاكل، وحوّلها إلى حروب أهلية، هي سياسات البشير. لهذا السبب هذا النظام فاشل، ولو كان يتمتع بحسّ من العقلانية لقام بإجراء استباقي، مثلما عمل ديكلارك في جنوب إفريقيا، حيث أدرك، في ظرف معين، بأن سياسة الدولة فاشلة، فجلس مع المعارضة واتّفقوا على خارطة طريق للمستقبل، وهذا ما فعله، أيضا، خوان كارلوس في إسبانيا، لحلّ مشكلة فيها تناقض بين الحاكم والشعب. وهو نفس الموقف في السودان الآن، خاصة وأن النظام قد أدرك بأنه فاشي، وعليه أن يتّفق مع القوى المعنية، مثلما فعل سابقوه، عبر وضع خارطة طريق للمستقبل على أساس متّفق عليه، وإذا تخلّف عن ذلك سيفتح الباب أمام المحاولات الثورية المسلّحة والانقلاب عليه. وما تفسيرك لهجوم إسرائيل على مصنع اليرموك، بعد أيام من انتهاء العدوان على غزة؟ إسرائيل تتدخّل كثيرا في الشأن السوداني، وهذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها هجوم، وإنما رابع مرة، لأن النظام لا شكّ أن عنده علاقة مع إيران وحماس، ولا شك أن هذه العلاقات لها بعد عسكري. وإسرائيل، الآن، تحاول ضرب إيران وتستعد لذلك، مثلما فعلت في العراق وسوريا، حيث قامت بهجمات ضدّ المنشآت النووية في المنطقتين، وهي تحضّر نفسها لعمل الشيء نفسه في إيران، لكنها وجدت بأن التكلفة العسكرية ضد إيران ستكون كبيرة، كما إن أمريكا غير موافقة ولن تساندها، خصوصا بعد انتخاب باراك أوباما للمرة الثانية، عكس ما كان سيحصل لو فاز المرشّح الجمهوري، ميت رومني، المعروف عنه بأنه مغامر ويفكّر بمنطق الجيش، وكان ممكنا أن يقوم بغارة ضدّ المنشآت النووية الإيرانية. وفي رأيي، إسرائيل لما رأت أنها لا تستطيع ضرب إيران حاليا، فكّرت في طريقة بديلة، وهي ضرب القوى المتحالفة مع إيران، طالما أن ذلك لا يكلّفها عسكريا، ولا مانع من أمريكا، لذلك قامت بالغارة على مصنع اليرموك في السودان، وهي أكبر من الغارات التي سبقتها، واستخدمت أسلحة نووية تكتيكية وقنابل ذات إشعاع ذرّي. على كل حال، إسرائيل طالما قرّرت توجيه ضربة ضدّ إيران، لكنها لا تستطيع فعل ذلك منفردة، قرّرت شنّ هجمات على جهات تُعتبر متحالفة معها، وهذا ما فعلته في السودان وغزة. لكن الوضع مختلف نوعا ما في غزة، حيث فسّر محلّلون هذا العدوان بأنه مجرّد اختبار للقوى العسكرية الإسرائيلية، قبل دخولها في حرب مع إيران، ما تعليقك؟ بالتأكيد لا، ما حدث في غزة مجرّد تصفية حسابات مع المعسكر الإيراني وليس اختبارا لمعدّاتها العسكرية، لأن الذي حصل في مصنع اليرموك بالسودان هي الفكرة نفسها التي تمّ تطبيقها في غزة، حيث تقوم إسرائيل بضرب جزء من منظومة التحالف الإيراني في الحلقات الأضعف، التي لا تكلّفها عسكريا، إذ قامت بأربع غارات في السودان لم تخسر فيها جنديا واحدا ولا طائرة ولا أي. ففي تقديري، الحرب الأخيرة على القطاع بمثابة هزيمة لإسرائيل، لأنها وجدت، ولأول مرة، ثلاث حقائق جديدة لم تكن في حسبانها، أولها أن المقاومة الفلسطينية في غزة أصبحت تملك أسلحة أفضل بكثير من السابق، وتستطيع أن تصل إلى مدن إسرائيلية، ثانيا أن أصدقاءها في المنطقة،حسني مبارك في مصر وبن علي في تونس، لم يعودوا موجودين، فالذين كانوا أصدقاءها أصبحوا أقرب إلى التعاطف مع حماس والمقاومة الفلسطينية، من أن يكونوا معها، لأن مصر مبارك كانت لديها رغبة في تصفية حماس، باعتبار أنها تمثّل تحالفا مع جماعة الإخوان المسلمين، أو فرع منها، كما إن وزيرة الخارجية الإسرائيلية كانت في القاهرة حينما حصل الهجوم على غزة في عام 2008. لكن الأهم في المسألة كلها أنه أصبح هناك عناصر جديدة غير عربية، مثل تركيا، متعاطفة مع غزة، وهذا العامل الجديد واحد من بين الأسباب التي جعلت اسرائيل تتراجع عن برنامجها وأهدافها العسكرية في غزة، بعد أن تراءت أمامها أن تكاليف غزو غزة، العسكرية والسياسية والدبلوماسية، كبيرة جدا وغير محتملة، ثم أصبحت تفكّر في تحديد أهداف عسكرية حقيقية والانتقال من العمل الجوي إلى البري، فأدركوا ضعف ذلك من حيث التكاليف البشرية. لكن خلاصة مع حصل في السودان وغزة أنه كان جزءاً من تصفية حسابات مع إيران، فتمكّنت إسرائيل من فعل ما تريد في السودان دون تكاليف، وفي غزة وجدت تكاليف باهظة، لذلك طالبت بالهدنة والتهدئة، وهذا فيه نوع من الانتصار للمقاومة. وأعتقد أن لفلسطين جائزتين تحصّلت عليهما، وهما صمود غزة في وجه العدوان، وما حدث في الأممالمتحدة رغما عن أمريكا. وبالمناسبة، أهنّئ الرئيس محمود عباس على ما حقّقه، وأدعوه إلى أن يلتفت إلى نصر ثانٍ، وهو توحيد الصف وأن يزور قطاع غزة ويطرح تفعيل الاتّفاق الذي حدث، في السابق، بين حركتي فتح وحماس، وهذا سيكون الحلقة الثالثة للنصر، والتفكير بعدها لمحاصرة إسرائيل بإجراءات قانونية دولية عادلة، وأن يلاحقوها في منبر محكمة الجنايات الدولية، وهذا كله سيمكّن الفلسطينيين من إيجاد آليات دولية للتحرّك ضدّ إسرائيل. وكيف ترون الوضع في سوريا، الذي يتفاقم ويزداد عنفا ودموية؟ الحرب الدائرة رحاها، الآن، بين النظام والمقاومة، على الأراضي السورية، هي تحطيم لسوريا وجيشها، وإسرائيل سعيدة بما يحصل. وللأسف لقد تحوّلت سوريا إلى ساحة لتصفية حسابات وحرب طائفية ودولية وإقليمية. والشعب وسوريا يدفعان الثمن، ومسؤولية تاريخية كبيرة لبشار الأسد الذي صار يُدرك، بعد ازدياد عدد القتلى وصارت هناك مقاومة، أنه لابد من التغيير، وكان يجدر به أن يعرض بدائل وخيارات تُرضي طموحات شعبه. وكنت قد وجّهت له نداءً، أثناء عيد الفطر، قلت له فيه إن ما يحدث سيؤدّي إلى تدمير سوريا والجيش السوري. واقترحت عليه أن يفدي الشعب السوري وأن يختار شخصية سورية توافقية ويسلّمها السلطة، ويفوّضها للتفاوض مع كل الأطراف في محاولة لإيجاد حلّ للأزمة السورية، لأنه لم تعد هناك إمكانية لاستمراره ولا أحد يمكنه أن يوقف الصدام بعد ذلك. وهو النداء نفسه الذي وجّهته للقذافي، فقد دعوته لتسليم السلطة ل''أبو بكر يونس''، باعتباره شخصية لها قبول ويفوّضه لتسوية النزاع لتجنيب ليبيا التدمير، ولو فعل ذلك لتجنّبوا تدخّل حلف الناتو، لكن للأسف لم يستجب. وفي سوريا أصبح هناك استقطاب حاد، طائفيا ودوليا، والشعب مشتّت في كل أنحاء العالم العربي، وأصبح هناك تصفية حسابات خارج-سورية في سوريا، ولو كان لدى بشار وعي لاختار شخصية وطنية معيّنة توافقية للبحث عن مخرج سلمي.