الحرب الأخيرة على غزة أفضل هدية لإيران لاختبار قوة إسرائيل الجوية وتصرّف قياداتها العسكرية حينما ضُغط على الحركة من أجل اتخاذ موقف أكثر تأييدا لبشار الأسد لم يكن بوسعنا إلا ترك سوريا
استبعد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الدكتور موسى أبو مرزوق، شن إسرائيل حربا على إيران، مؤكدا بأن إيران هي المستفيد الأكبر من الحرب الأخيرة على قطاع غزة، حيث اختبرت فيها قوة إسرائيل الجوية والمدفعية وتصرف القيادات العسكرية الإسرائيلية، وشدد أبو مرزوق على أن الجزائر في مقدمة الدول التي تقف إلى جوار القضية الفلسطينية، وأكبر دولة ملتزمة بلا تخلف ولا تأخر. بداية، ما تقييمكم لنتائج الحرب الأخيرة، وكيف تم الاستعداد لها؟ المسألة كانت مقررة منذ فترة ولكن كانت تحتاج إلى قرار، صحيح أنها بدأت باغتيال أحمد الجعبري، أحد أهم قيادات القسام في قطاع غزة، الذي كان يشرف على إجراءات التهدئة في ذلك الوقت، سواء أكان باتصاله مع الفصائل أو بمساهمته القيادية في كتائب القسام. لا يمكن أن تبدأ الحرب من دون أن يكون لها مقدمات، وكانت المقدمة بلا شك ثقيلة الوطأة، الحرب نشبت ولم يكن يتوقع القطاع العسكري الإسرائيلي أن تكون طويلة، فقد كانوا يريدونها خاطفة، يقضون خلالها على بعض القادة العسكريين من المقاومة ويستهدفون البنية العسكرية بشكل أساسي في قطاع غزة ثم يوقفون الحرب، لكن مفاجآت وحسابات خاطئة عند العدو جعلته يطلب إيقاف إطلاق النار بسرعة في اليوم الثاني أو الثالث، حيث بدأ يتحرك من أجل التوصل إلى تهدئة، ونحن لم نكن نسعى لحرب ولم نكن نريد حربا في ذلك الوقت، لكن الحرب فُرضت علينا في قطاع غزة، وقد تكون الحرب في كل الأراضي الفلسطينية، سواء أكانت في الضفة الغربية أو في غزة، لكن الإجراءات في الضفة الغربية كانت لها طبيعة معينة، أما غزة فكانت طبيعة ساخنة كما شاهدتم بلا شك، ولم يكن خيار أمام المقاومين غير التصدي للعدوان بكل الوسائل، وكانت تلك المرة الأولى التي يكون فيها طلب للتهدئة، كما أن الاتفاق الذي تم عقده، كان الأول من نوعه في تاريخ المقاومة وإسرائيل، أن يتم الاتفاق ببنود مكتوبة وبموافقة الطرفين، وأريد أن أشير هنا إلى أنه لم يكن لدى المقاومة أي سلاح يصل إلى تل أبيب أو القدس، أثناء حرب 2008 2009، وأقصى مدى للصواريخ التي كانت لدينا محلية الصنع. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الشهداء والبالغ عددهم 164 شهيدا الذين سقطوا في هذه المعركة، هناك حوالي 15 فقط منهم من العسكريين، والباقي كلهم مدنيون بين أطفال ونساء ومسنين. وماهي أهم بنود اتفاق الهدنة الذي تم بوساطة مصرية؟ الاتفاق تم ببندين، البند الأول يتحدث عن وقف إطلاق النار ووقف كل الأعمال العسكرية العدائية لكل طرف، وهذا الوقف يشمل كل أنواع إطلاق النار سواء أكانت تستهدف أفرادا أو مباني، وأن تتوقف كل فصائل المقاومة عن كل الأعمال تجاه إسرائيل، وبعد 24 ساعة يتم الاتفاق على القضايا المتعلقة بالمعابر. كما تعلمون هناك ستة معابر بالإضافة إلى معبرين آخرين جوي وبحري، وكانت هذه المعابر مخصصة لأشياء مختلفة، مثلا ''إيريز'' للمركبات والأفراد و''كارني'' للإسمنت، وغيره وكل معبر كان له طبيعة خاصة تستخدم مابين قطاع غزة والأراضي المحتلة، معبر رفح والميناءان الجوي والبحري متعلقان بقطاع غزة، حيث يعتبر محتلا في الإطار القانوني، وبالتالي لإسرائيل التزامات معينة في كل هذه المعابر، ومن ضمن اتفاق التهدئة حرية عبور الأشخاص والبضائع من هذه المعابر، حيث سيكون لكل معبر حديث حوله في المباحثات التي تجري بين الجانب الآخر الذي جاء إلى مصر ليتحدث مع المصريين، ما مدى وإلى أين سنتوافق على حرية الأفراد والمعابر، وبلا شك معبر رفح له طبيعة خاصة، لأن التعامل فيه مع الجانب المصري، وستكون هناك محادثات ثنائية بيننا وبين الجانب المصري، وسنحاول من خلال هذه الوساطة التوصل إلى تفاهمات حول هذه القضية. ما تقييمكم لدور دول الربيع العربي في الحرب الأخيرة، وهل كنتم تنتظرون دورا أكبر؟ كنا نتوقع من كل الدول العربية أن تقف بجوارنا في هذه المعركة، سواء أكانت من دول الربيع العربي أو الدول التي ربيعها دائم، لكن دعيني أقول وأنا كتبت على الفايس بوك عبارة لأحد الصبية، هدد الجندي الإسرائيلي بمرسي حينما وجه له السلاح، الصبي قال له سأخبر مرسي، هذا له معنى في الوجدان الفلسطيني والعربي، لأن الصبي لم يقرأها بقراءة سياسية، وإنما بالفطرة بأن هناك تغير في البيئة كلها، أصبح فيه زعيم قاد المعركة باقتدار، وأقول بصراحة أن دور مصر كان الأبرز في وقف القتال ووضع حد له. وما هو مستقبل حركتكم بعد خروجكم من سوريا؟ بالنسبة لسوريا.. حماس منذ بداية الأحداث أخذت موقفا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية سواء كان لسوريا أو كل دول الربيع العربي، حيث لم يكن لنا أي تدخل في هذه القضايا، وكان قد طُلب منا موقف محدد بعد ثلاثة أشهر من بداية الأحداث، فأصدرنا بيانا فيه توازن في موقفنا والتأكيد على عدم تدخلنا، وفي وقوفنا مع الشعب السوري وتطلعاته في الحرية والعدالة، وذكرنا ما للنظام من فضل على المقاومة، وحينما ضُغط على الحركة من أجل اتخاذ موقف أكثر تأييدا للنظام لم يكن بوسعنا إلا ترك سوريا، ومضينا في موقفنا، ومع تغير الأحداث يبدو موقف الحركة أكثر وضوحا. وماذا بخصوص علاقتكم مع إيران؟ بلا شك أن إيران هي وعدد من الدول وقفت إلى جانب النظام السوري، ودول أخرى وقفت إلى جانب الثوار، وحينما طالبت إيران من حماس موقفا مشابها لموقفها، كان هناك رفض من الحركة لهذا التوجه، وهذا أثر في العلاقة بيننا وبين إيران، سواء اتسعت العلاقة بين سوريا وإيران أو تراجعت، لكن هذا الشيء في النهاية يتم منفردا، لأن علاقتنا بإيران متعلقة بالقضية الفلسطينية وعلاقة بينية مع الإيرانيين تجاه فلسطين، كما أنها من أكثر الدول تأييدا للمقاومة والشعب الفلسطيني، وقد يكون موقع إيران وموقفها في العالم العربي كله موقف أصبح ليس طيبا، ومطلوب من إيران أن تدرك هذه المسألة، لكننا نقول إن إيران لا يمكن أن تتحول إلى عدو، في نفس الوقت هناك ضغوط كثيرة ومتعددة لتتحول إسرائيل إلى دولة في المنطقة وأن نتعامل معها كصديقة، وهذا لن يكون لأنه لا يمكن أن تتحول إيران إلى العدو المركزي للعرب، ويجب عليها أن تدرك أن هناك حالة شعبية ورأي عام في العالم العربي، ويجب عليها أن تعالج مواقفها حتى لا تخسر العالم العربي بسبب مواقفها من أزمات المنطقة، نحن سنستمر في هذه السياسة، ولكن لا يمكن أن نتوافق مع سياسة إيران تجاه سوريا. وكيف سيكون موقفكم في حال دخول إيران في حرب مع إسرائيل، خاصة أن بعض المحللين الإسرائيليين قالوا إن العدوان الأخير على غزة، مجرد تجربة للمعدات الإسرائيلية استعدادا للدخول في حرب مع إيران؟ الأسئلة الافتراضية من الصعب الإجابة عليها، لكن أؤكد أن توجه حماس دائما هو مقاومة الاحتلال من أجل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه، وإذا حصلت مشاكل أخرى لا نستطيع أن نقول كيف سيكون موقفنا أو اتجاهه، لكننا بالتأكيد سنرفض ذلك وندين أي اعتداء إسرائيلي على أي بلد، لكن كيف سيكون تصرفنا تجاه هذا العدوان، هذا أمر سيقرر في حينه، نحن رأينا في القريب العاجل أن إسرائيل ضربت مصنعا في السودان، وقلنا إن موقفنا ضد هذا التدخل وأنه لابد للسودان أن ينتقم لنفسه، وأن يحمي سماءه وأرضه من أي اعتداء إسرائيلي، وأرى أن هجوم إسرائيل على إيران أمر مستبعد ومستنكر، ومن أهم الأهداف التي خرجت بها المعركة، استفادة إيران منها، كأن قطاع غزة كتيبة استطلاع بالنيران باللغة العسكرية، حيث اختبرت فيها قوة إسرائيل الجوية والمدفعية وتصرف القيادات العسكرية الإسرائيلية، وبلا شك كانت هذه الحرب أفضل هدية لإيران، حيث قرأت بالتمام والكمال كيفية التعامل مع هذه المسائل إذا جرت حرب معها، لكن لا أعتقد بأن الإسرائيليين يريدون الاستطلاع من خلال هذه الحرب، وقالوا أيضا إنهم يريدون عودة سياسة الردع إلى قطاع غزة وتحييد الصواريخ وتدمير قواعدها، لكنهم هم الذين ارتدعوا في الحقيقة وليست المقاومة. وما موقفكم من طلب السلطة الفلسطينية الذي توجهت به إلى الأممالمتحدة؟ نحن نعلم بأنه سيتم تقديم طلب فلسطيني للأمم المتحدة، وحماس لم تعترض على مسألة تقديم الطلب، وذكرنا في أكثر من مرة عدم اعتراضنا، وتشجيعنا العام الماضي لا يحتاج إلى تشجيع آخر هذا العام، وهذه المسألة اجتهاد فلسطيني لم نكن جزءا منه، لكننا لا نعترض عليه، وفي الحقيقة أن الدولة الفلسطينية كأي دولة في العالم، يفترض أن ينشئها أهلها على أرض الواقع ثم يسألوا الاعتراف بها من الدول الأخرى والأممالمتحدة حتى تكون دولة عضوة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأن الدول لا تنشأ بقرارات من الأممالمتحدة وإنما بضرورات موجودة وبنضال وخيارات شعبية لكل عرق وفئة وطنية، وبالتالي إذا فرضنا دولتنا على الأرض الفلسطينية يكون اعتراف الأممالمتحدة اعترافا لواقع، أما الاعتراف بدون أن يكون هناك واقع فبلا شك أن أثره سيكون أقل، حتى وإن يكون له برنامج آخر في الفعاليات القانونية وغيرها أو في هيئة الأممالمتحدة وفروعها. وما تعليقكم على تصريح وزير خارجية حماس، محمود الزهار، الذي قال فيه إن الجزائر لا تستقبل ولا تدعم حماس ولا تستقبل قياداتها، وأنها مع فتح، أنتم كقيادة بارزة في حماس كيف ترون موقف الجزائر مع حركتكم؟ القضية الفلسطينية لا يستطيع لا الفلسطيني احتكارها أو القول بأن هذا النظام يدعمها أو لا، لأن القضية الفلسطينية قضية العرب كلهم، وقضية كل جزائري، سواء أكان في الحكومة أو الشعب، هذه القضية لا يمكن لأحد التخلي عنها مهما كان موقعه بين الجماهير أو بين النظام، الآن هناك اجتهادات في الأنظمة في كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية، هل هي قضية تمثلها سلطة أو التعاون مع المنظمات الموجودة في الساحة، وبلا شك أن هذا يختلف من دولة إلى أخرى، ونحن لا نريد أن نضع خططا لكل دولة في كيفية التعامل مع الآخر، نحن نريد أن يتعاملوا مع الفلسطينيين ومع القضية الفلسطينية بأقصى ما يستطيعون أن يؤدوه، وفي النهاية لا نستطيع أن نلوم خيار أي أحد، لكننا نقول دائما إن القضية الفلسطينية هي الأهم، يجب أن تكون على رأس الأولويات، بغض النظر عن أنه بالنهاية خياره أن يدعم هذا التنظيم أو ذاك، لكننا نريده أن يدعم القضية الفلسطينية، والجزائر في مقدمة الدول التي تقف إلى جوار القضية الفلسطينية، وأعتقد أنه حتى في دعم السلطة الفلسطينية أكبر دولة ملتزمة بلا تخلف ولا تأخر هي الجزائر، وإذا كانت تريد التعامل مع السلطة كسلطة واحدة وليس مع المنظمات على سبيل المثال، فهذه وجهة نظر ويجب أن نحترمها، لكن أن نقول إنها لا تدعم القضية الفلسطينية هذا أمر غير صحيح، وأنا شخصيا زرت الجزائر أكثر من عشر مرات والتقيت بكل المسؤولين الجزائريين.