استحداثُ مركز وطني للكتاب يُعنى بنشر الكتاب وتوزيعه، هو بكل تأكيد مكسب كبير للكتّاب والأدباء. ولقد كنتُ أول من استهجن حلّ المؤسسة للكتّاب، ودافعت في أكثر من مقال في مطلع عام 2000 عن ضرورة إعادة خلق مؤسسة تُعنى بنشر الكتاب، حتى نقطع الطريق أمام نشر الإنتاج الأدبي الرديء الذي وجد تشجيعا من طرف دور النشر الخاصّة، التي لم يكن يهمّها إلا الربح المادّي. ومن الواضح أن هذا المركز، الذي عوّض المؤسسة الوطنية للكتاب المُحلّة، جاء بديلا لصندوق دعم الإبداع الذي ستقتصر مهمّته مستقبلا في الدعم المالي فقط، وعليه ستكون لجنة القراءة الجديدة المستحدثة تابعة له، بعدما كانت في الماضي تابعة للصندوق الوطني للإبداع. وكانت لجنة القراءة التي أنشأتها في عام 2005 مديرة الآداب والفنون السابقة، الشاعرة ربيعة جلطي، قد أثارت، في حينها، ردود فعل متباينة وسط المثقّفين والكتّاب الجزائريين، بين مؤيّد للفكرة وداعم لها ورافض لها جملة وتفصيلا. وكان أول ردّ فعل لهذا الإجراء صدر عن الروائي الراحل الطاهر وطار والشاعر عز الدين ميهوبي، اللذان دعيا، وقتها، في ندوة صحفية بمقر الجاحظية حول ''حرية التعبير والرقابة على الإبداع''، إلى إلغاء هذه اللجنة، لأن الهدف منها، في رأيهما، هو فرض الرقابة على الإبداع واحتكار الدولة للنشر. والحقيقة أنني كنت ومازلت ممّن يدعون إلى انتقاء الأعمال الأدبية قبل نشرها، ولقد قلتُ، دائما، بأن من أبرز أسباب رواج النص الأدبي الرديء وجود منافذ عدّة يسهل اختراقها، ولعلّ أهمّها دُور النشر الخاصة التي، بحكم طبيعتها التجارية، ساعدت على انتشار الرداءة في كل مكان يصل إليه الكتاب، والملاحظة نفسها يمكن توجيهها لاتّحاد الكتاب الجزائريين ولصندوق دعم الإبداع، اللذين لم تكن منشوراتهما تخلو من أعمال دون المستوى المطلوب. ولا ننكر أن توافر فرص النشر للشباب الناشئ يشكّل إحدى الركائز الثقافية المهمّة إذا كان يقتصر على منابر معينة وكان التساهل في حدود المعقول، ولكن هذا لا ينبغي أن يحجب عنا حقيقة مهمّة، وهي أن النشر وحده لا يخلق الأدباء، وإنما يخلقهم العمل الدؤوب لأجل تكوين أنفسهم وتهيئتها تهيئة صالحة للإبداع. من هنا نخلص إلى نتيجة في غاية الأهمية، وهي أن التساهل في النشر يُعدّ من أبرز الدوافع في وقوع الناشئين في الغرور، وكثيرا ما يدفعهم ذلك إلى الاعتقاد بأنهم بلغوا القمّة، وهنا تكمن نهايتهم الحقيقية، ذلك أن هذا يعني شيئا واحدا وهو أنه لم يعد ثمّة جديد يقدّمونه، وبالتالي لم يعد لوجودهم، كمبدعين، مبرّر معقول. ومن هنا يتّضح دور لجنة القراءة، فعن طريق هذه اللجنة نعطي لكل ذي حقّ حقّه، وبالتالي نستطيع أن نسدّ كل المنافذ التي يمكن أن تتسلّل منها الرداءة للتربّع على عروش الريادة والنجومية الزائفة. وواضح أن دور هذه اللجنة ينحصر، فقط، في التقييم الأدبي، فهي ليست لجنة للتضييق على حرية الرأي والتعبير، وإنما لإعطاء رأيها في الأعمال المقدّمة لها من حيث قيمتها الفنية فقط، والتزامها باحترام الرموز الوطنية وعدم المساس بوحدة البلاد وثوابتها، وعلى ضوء ذلك يتقرّر إن كانت صالحة للنشر أم لا، وهو ما تعمل به جميع البلدان في العالم. والواقع أن لجان القراءة نظام لا يقتصر على الجزائر وحدها، وإنما هو موجود في كل البلدان، على اختلاف أنظمتها، وكان للمؤسّسة الوطنية للكتاب في الثمانينيات من القرن الماضي، وما قبلها، لجنة للقراءة، لم يكن أحد من الكتّاب يعرف أعضاءها ولم يدعُ أحد، حسب علمي، إلى إلغائها. ومهما كانت الجهة التي كُلّفت بالإشراف على النشر، فالمؤّكد أن لجنة القراءة لا يمكن أبدا الاستغناء عنها، ومن الضروري أن تكون تابعة لهيئة رسمية، ضمانا لحيادها وعدم استغلالها لمآرب شخصية، وإذا حدثت تجاوزات من طرفها فما على الجمعيات ودور النشر إلا المطالبة بتغيير أعضائها، وليس إلغائها. بالمختصر المفيد، فإنني لا أرى أبدا أن إنشاء لجنة للقراءة يشكّل أدنى خطر على إنتاج الكتاب وصناعته، فالمفروض أن مثل هذه اللجنة وسيلة أساسية لترقية الإنتاج الأدبي والفكري وليس العكس، ولكن أهم من ذلك كله هو انتقاء أعضاء هذه اللجنة، بحيث تكون تشكيلتها من الكتّاب والنقّاد المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، حتى لا تُستخدم استخداما يسيء للحركة الأدبية بأيّ شكل من الأشكال. كان هذا موقفي من القضية، وقد عبّرت عنه عام 2005، في مقال بإحدى اليوميات الجزائرية التي كنت أكتب فيها مقالا أسبوعيا، ولم يعجب ذلك الموقف بطبيعة الحال الأديب الراحل الطاهر وطار، ولكنني أحسب أن ردّة فعله لم تصدر عن عبث، ولكن عن قناعة وإيمان بما يعتقدُ أنه صحيح، رحمه الله وطيّب ثراه وأسكنه فسيح الجنان.