يستقبل أصحاب مقاهي الانترنت بشكل يومي، العشرات من الشباب الراغبين في كتابة سيرة ذاتية بغرض العمل أو تشكيل ملفات إدارية، غير أن الكثير منهم يفتقد لثقافة كتابة هذه الأسطر التي تكون خطا فاصلا بين ولوجه عالم التشغيل أو بقاءه خارج سوق العمل. تكمن نقاط الضعف في كتابة السيرة الذاتية من ناحية الشكل أو المضمون، فإضافة إلى مسلسل الأكاذيب والمبالغات التي تتضمنها، فإن أسلوب كتابتها أيضا لا يزال مجهولا لدى الكثيرين، حتى من قبل المتخرجين من الجامعات. مراد أحد المتخرجين من معهد التسيير بجامعة سطيف، أكد أنه لم يكن يسمع عن هذه الوثيقة طيلة مشواره الدراسي، غير أن تقدمه إلى إحدى الوظائف في شركة خاصة، جعله يبحث عن أحد زملائه بغرض كتابة السيرة الذاتية. ولم يخف أنه شعر بحرج كبير أثناء طلبه هذا حين قال له زميله ''لقد حيّرتني ليسانس في علوم التسيير ولا تستطيع كتابة سيرة ذاتية''. وبقدر ما يعدّ إعداد سيرة ذاتية أمرا سهلا ولا يتطلب سوى تدوين معلومات مختصرة، بقدر ما تعدّ أهم خطوة نحو البحث عن وظيفة، لما تحمله من معلومات تعطي انطباعا معيّنا عن صاحبها، وتكون السفير الوسيط بين الباحث عن وظيفة وصاحب العمل. لكن الكثيرين يجهلون مبادئ كتابة هذه الوثيقة، ويتمادون في تزيينها والمراوغة فيها دون تقديرهم لعواقب ذلك، غير أنه من المؤسف بدء وظيفة جديدة عن طريق الكذب، فلا أفضل من الصدق وكتابة القدرات الحقيقية، لأن حبال الكذب قصيرة، إن عاجلا، من خلال المقابلة الشخصية أو التأكد من صحة مرفقات السيرة الذاتية، مثل شهادات المؤهل العلمي والخبرة المهنية أو آجلا، من خلال المواقف الحقيقية التي سيتعرض لها الموظف أمام رؤسائه، سينكشف كذب هذا الموظف، وسيتعرض لموقف محرج وعقوبات كثيرة، ربما سيكون فقدان وظيفته. القانون لا يعاقب ويعتبر الكثير من رجال القانون الكذب في كتابة السيرة الذاتية بمثابة انتحال للشخصية. ورغم أن القانون لا يعاقب عليه، إلا أن أرباب العمل والمؤسسات يمكن أن تكتشف أكاذيب طالب العمل بعد توظيفه، ومن ثم يمكن لها أن تتابعه قضائيا بتهمة التغليط والتصريح بمعلومات خاطئة قد تضر بالمؤسسة. وفي نفس السياق، يؤكد مدير شركة خاصة لإنتاج منتجات البلاستيك، أن طالب العمل يقدم سيرة ذاتية من عدة صفحات، ويخيّل لك أنك أمام موظّف متميز لا بد من توظيفه بأي شكل من الأشكال، في حين وأثناء المقابلة الشخصية يتم التطرق فيها إلى ما جاء في السيرة الذاتية، يكتشف الجميع أن من يقوم بعملية البيع والشراء في محل تجاري للألبسة، يدوّن في سيرته على أنه مندوب رئيسي للمبيعات، زيادة على أن من قام بتدوين المبيعات في مخبزة خاصة يدوّن على أنه خبير في المحاسبة. وفي كل سيرة ذاتية يتحدث صاحبها عن اللغات التي يتقنها كتابة وقراءة، لا يكتفي بعض طالبي العمل في الخوض في اللغات الثلاث المعروفة وطنيا، وهي العربية والفرنسية والإنجليزية، بل يتجهون نحو لغات هم يعلمون أن مدير المؤسسة العمومية أو صاحب الشركة الخاصة لا يتقنها، مثل الإسبانية والإيطالية والصينية، وأحيانا لا يعرف صاحب السيرة الذاتية إلا كلمتين أو ثلاثة من اللغة التي يدّعي أنه يتقنها.