كان لابد على الجيش الجزائري أن يثبت قدراته في التصدي لكل محاولة للمساس بوحدة وسلامة التراب الوطني وحماية المنشآت الإستراتيجية للدولة، ففعل ذلك ونجح. وكان عليه أن يثبت لكل المشككين داخليا وخارجيا في حربه الطويلة ضد المجموعات الإرهابية طيلة عشرية النار والدمار بأن كل حوار مع الإرهابيين الدمويين مضيعة للوقت، فنجح أيضا إلى حد بعيد في رسالة وجهها إلى المعنيين بالأمر. والحقيقة أن الجيش لم يقم إلا بمهامه الدستورية من منظور المصلحة العليا للبلاد ومن منطلق الجزائر أولا. لكن هل يجوز لنا أن نعمّم هذا النجاح ليشمل السلطة السياسية بمؤسساتها وأحزابها وجمعياتها ونخبتها، أقول لا، حتى وإن جنت السلطة السياسية ثمار نجاح العملية العسكرية، فالمؤكد أن النجاح العسكري للجيش لم يفلح في تغطية الضعف السياسي للسلطة التي أثبتت فشلها مرة أخرى في إدارة مثل هذه الأزمات خاصة في شقيها السياسي والإعلامي. فالسلطة انتهجت، منذ ظهور البوادر الأولى للأزمة المالية، سياسة لم يفلح الرأي العام الوطني في فك ألغازها، أو على الأقل لم تنجح السلطة في تسويق هذه السياسة لا على المستوى الداخلي ولا الخارجي، وأحسن مثال على ذلك ما قاله وزير الخارجية مراد مدلسي لقناة فرانس 24 قبل زيارة الرئيس فرانسوا هولاند إلى الجزائر، حيث أكد بأن ''هناك تطابقا في وجهات النظر بين فرنساوالجزائر بشأن الأزمة المالية، وأن الفرق بيننا يكمن في ترتيب الأولويات''. الفشل جاء مرة أخرى بتوقيع عبد القادر مساهل، الوزير المكلف بالشؤون الإفريقية، الذي لم يفلح في تسويق سلعة ''حركة أنصار الدين'' التي تحولت بقدرة قادر من مجموعات مسلحة إلى منظمة إرهابية، ولم يفهم الرأي العام أسباب وخلفية هذا التحوّل، وأكد الوزير مساهل المكلف بالملف فشله بحضوره حفل افتتاح كأس إفريقيا للأمم كممثل لرئيس الجمهورية، حدث هذا في عز اندلاع الحرب في مالي وهجوم المجموعة الإرهابية على المنشأة البترولية بعين أمناس. نجح العسكر وفشل السياسيون، هذه حقيقة لا غبار عليها. سمحت السلطة للطائرات الفرنسية بعبور الأجواء الجزائرية، قد يكون القرار صائبا تمليه الشرعية الدولية والمصلحة العليا للوطن، لكن إخفاق السلطة كان ذريعا عندما علم الجزائريون هذا عن طريق وزير خارجية فرنسا، وليس الجزائري، وفشلت السلطة مرة أخرى في تسويق خبر غلق حدودها مع مالي، لأن الخبر تناقلته الصحافة الجزائرية نقلا عن الصحافة الأجنبية وعن مسؤولين فرنسيين، فشلت السلطة عندما نزل وزير الاتصال ضيفا على نشرة تلفزيون اليتيمة ومشتقاتها، حيث قال كل شيء ولم يقل شيئا، بل صرح بمعلومات خاطئة حول نقطة انطلاق الإرهابيين، شأنه شأن وزير الداخلية الذي أعطى معلومات مغايرة قبل أن يصححها الوزير الأول سلال في ندوته الصحفية، ليصحح معها صورة ''الضحكة الجماعية'' على شاشة التلفزيون وهو يستقبل الوزير الأول المالي والوفد المرافق له. فشلت السلطة كعادتها وفشلنا جميعا في خلق إجماع وطني واع بالرهانات والتحديات الإستراتيجية وليست الظرفية.. فشلنا وفشلوا وفشل الرئيس لأنه غاب عن الحدث، في وقت كان الشعب في أمسّ الحاجة إليه، كيف لا والجزائريون يُضربون في مصدر قوتهم اليومي. [email protected]