كشفت التحقيقات الدورية التي تقوم بها مصالح الجودة وقمع الغشّ، التابعة لمديرية التجارة، وجود الكثير من عمليات الغشّ والتحايل في صنع مواد التنظيف والتطهير المعروفة، مثل الجافيل وسائل التنظيف بمختلف أنواعه، وحتى المطهّرات الحسّاسة التي تُستعمل في المستشفيات، بدليل أن الشركة الصناعية للمنظّفات ''تيكجدة''، عبر فرعها المسمّى ''أوناد، سيدات''، الكائن مقرّها بسور الغزلان في ولاية البويرة، كانت قد تقدّمت بشكوى رسمية حول تقليد منتوجها المعروف ''نور''. تشهد سوق المنظّفات، بولاية سطيف عموما، فوضى كبيرة تسبّب فيها الطلب المتزايد على هذه المواد، خاصة تلك التي تُعتبر ذات جودة عالية، وتحظى بتزكية وصلات الإشهار في كبرى القنوات العالمية، ما جعل الكثير من مافيا الغشّ والتقليد تفضّل صناعتها في ورشات سرّية في مدن وبلديات داخلية، على غرار العلمة، عين ولمان، أولاد تبان، بيضاء برج وحتى في وسط مدينة سطيف، حيث تُؤجر فيلات فخمة لإبعاد الشبهات، ومن ثمّ يتمّ تجنيد العشرات من الشباب البطّال والفتيات من أجل صناعة هذه المواد المغشوشة. وبمحض الصدفة، تمكّنت ''الخبر'' من محاورة أحد الذين كانوا، في وقت سابق يمتهنون هذه الحرفة، غير أن مصالح الشرطة الاقتصادية داهمت ورشتهم السّرية التي كانت بحي كعبوب وسط المدينة، وقامت بمصادرة كل شيء ومتابعة أصحابها قضائيا. ويؤكّد مصدرنا أن صناعة المنظّفات، لأسباب موضوعية بحتة، يمكن تقليدها بسهولة، فهي صناعة تحويلية لا يتطلّب تقليدها سوى إلمام بسيط، ويكفي لأيّ شخص أن يعمل عامين أو أكثر قليلاً في مصنع للمنظّفات ليتحوّل، بين ليلة وضحاها، إلى منتج ينافس المصنع الذي كان يعمل به، فالأمر لا يتعدّى عملية تقليد فقط، خاصة وأن متطلّبات التصنيع لا تحتاج آلات كثيرة، بل يكفي أن يكتسب العامل بعض المعارف عن معادلات الخلط وخلافه، والبدء بالإنتاج بطرق يدوية بدائية، وطرح منتجاتهم في الأسواق، بعبوات تحمل علامات تجارية مرخّصة ومعروفة، يقومون بجمعها من حاويات النفايات، أو يبيعونها بعبوات من دون علامات تجارية، ما يلحق خسائر كبيرة بالمنتجين المرخّصين، فمثل هؤلاء - أي غير المرخّصين - قادرون على المنافسة بشكل عجيب، لأن كلفة إنتاجهم أقلّ من الكلفة لدى المصانع المرخّصة، فهم لا يدفعون إيجارات عالية للمستودعات، ولا يدفعون ضرائب، وغالباً يستعملون عبوات وقارورات بلاستيكية مستعملة اشتروها بأبخس الأثمان، أو تمّ تجميعها من النفايات المنزلية. من جهة أخرى، أكّد محدّثنا أن المادة الأولية التي تدخل في صناعة المنظّفات يتمّ تهريبها من ميناءي بجاية أو العاصمة، بتواطؤ من أعوان الجمارك، وهي المادة المعبّأة في صهاريج بلاستيكية كبيرة، تكون موجّهة لشركات التنظيف الوطنية، ومن ثمّ يتمّ بيعها لأصحاب هذه الورشات، حيث يتمّ خلطها بكميات كبيرة من مادة ملح الطعام لزيادة لزوجة السائل، وتلوينها بملوّنات عادية للغاية حسب الطلب، مع إضافة نكهات وعطور معيّنة. والمادة الفعّالة في هذا السائل هي مادة ''حامض السلفونيك''، وهي مادة حامضية، فإذا ما زادت نسبة المادة الفعّالة ''سلفونيك أسيد'' عن 22% فإن المنتج النهائي يصبح حامضياً، يسبّب تحسّسا للجلد الذي يلامسه، ''وعليه يجب مراقبة هذه النسبة فقط، وباقي المكوّنات يمكن أن تضع ما شئت''، يضيف محدّثنا، فيما يتمّ تعبئتها في قارورات بلاستيكية مستعملة يتمّ تنظيفها لهذا الغرض. أما الطابع التجاري، فقد أكّد محدّثنا بأنه يُطبع في المطابع الخاصة، بعد أن يتمّ تزوير الفيلم الرئيسي وتقليده في إحدى المدن التونسية، وعادة ما يكون لماركات معروفة لزيادة الربح. أما مصالح مديرية التجارة، فقد أكّدت أنها تقوم بتحقيقات دورية حول شكاوى مؤسّسات، وطنية وخاصة، تعرّضت منتجاتها إلى التقليد، ومن بين تلك الشركات مؤسسة المنظّفات ''تيكجدة''، الكائن مقرها بسور الغزلان، حيث تمّ تقليد أحد منتجاتها، المعروف ب''نور''، وهو مسحوق رغوي معطّر، وقد تمّ التحقيق في الأمر، وتبيّن أن صاحب الورشة تفطّن للأمر وقام بترحيل كل المواد والآلات المستعملة، وتبيّن كذلك أن المعني متوقّف عن النشاط، غير أنه لم يقم بشطب سجله التجاري. فيما يبقى العائق الأكبر هو عدم وجود مواصفات ومقاييس قانونية تحدّد أصلية المنتوج من غيره، فلا يمكن لهذه الهيئة الحكم على المنتج بأنه مقلّد مادامت المواصفات الوطنية الجزائرية غير معروفة، وحتى وإن تمّ تحليل العيّنات ونشرها، فما هي المواصفات التي تقارن بها. وهي ثغرة قانونية كبيرة يستغلها التجّار، وعادة ما يتمّ تغريمهم بمبالغ رمزية فقط، بدليل حجز، طيلة سنة 2012، ما يقارب 2 طن من هذه المواد، في أكثر من 1217 تدخّل، والتي تصنّف في خانة المواد السامة بقيمة لم تتعدّى 380 مليون سنتيم.