قال سيّدنا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: ''ضعوا للنّاس شيئًا يعرفوه من التاريخ''.. ولمّا نطالع تواريخ ناس وقد طُوِّقَت بهالة من التّهويل والتّضخيم ، لا نكاد نعود منها بشيء طائل إلاّ بترف علمي، أو متعة أدبية أو اشتغال بأقزام بشرية وقمامات فكرية لا تستحق الاحترام. لكن السياحة في تاريخ شعب قدّم قوافل مليونية من الشّهداء، تمثّل في المخيال الجزائري ترجمة حقيقية لما انقدح في الرّجال والنّساء من فكر وإيمان، وما رشّح من مواقف وأعمال. للأسف، فإنّ معرفتنا بتاريخنا الوطني معرفة ضحلة تكاد تلامس الصّفر، وأنّ حضور مَن صنعوا مآثرنا وأمجادنا حضور شاحب باهت في قاموسنا. والحال أنّ هناك أفكارًا غريبة تؤسّس لثقافة النِّسيان والإهمال والإجحاف ونكران الجميل، وتؤرِّخ لمرحلة الارتداد بين الحاضر والماضي وانقطاع الأخلاف عن الأسلاف، حيث الزُّهد فيها والتحرُّر منها، بدعوى أنّ الاهتمام بالتاريخ رجعية وظلامية تشدّ الأجيال إلى الوراء، أو باسم ضرورة الانقلاب والثورة على مخلّفات الماضي ورواسبه. الحقّ أنّ عملية استدعاء تاريخنا الوطني إلى مركز الاهتمام، وحسن قراءة مواقفه، واستنطاق سياقاته ومساراته، عواصم من القواصم، وحتمية واقعية أكيدة في تعزيز جهاز المناعة الحضارية لدى أبنائنا، وتحصينهم ضدّ الفتن والأخطار والمذاهب والأفكار المتسلّلة عبر الهدم التاريخي، الّذي يستهدف خلق أجيال علاقتها بأجدادها وآبائها علاقة باردة الأنفاس. وشبابنا، خاصة، ينبغي أن يعاد بناؤه وصياغة شخصيته ربطًا له بمبادئ دينه وقيم وطنية وأصالة انتمائه وتقاليد الشّرف في أمّته. ذلك أنّ جهودًا ضخمة تُبذل في سبيل سرقة عقيدته واغتيال فضائله وتمييع عوائده، مستغلة فيه عواطف التديُّن حينًا، ويومياته الاجتماعية حينًا، فيسهل اختراقه روحيًا ومعرفيًا، ومنه توظيف إمكاناته في المعارك الخطأ والعدو الخطأ والتوقيت الخطأ. لابدّ ونحن نتذاكر جوانبًا وفصولاً من تاريخنا أن ننوِّه بقيمة الجهاد والاستشهاد الّتي قامَت عليها ثوراتنا المباركات، وما أحوجنا إلى معرفة مقادير هائلة من وقائع التاريخ ومواقف صنّاعه، ما يعزّ النّفس ويرفع الرأس، ما يزكّي السّريرة ويصحّح السِّيرة ويرشد المسيرة، ويؤمل في المستقبل، لتفقّه أجيالنا بأنّ وراء كل انتصار شبكة من القيم الحضارية والتقاليد النضالية، ولتدرك بأنّ السيادة في الأرض والريادة في آفاقها فنّ دونه الأهوال الجسام، ولتؤمن بأنّنا بانتسابنا إلى تاريخنا وحضارتنا وشعورنا بعضويتنا في وطننا شيء كبير جدًّا، وبغير ذلك لا شيء.