بحث كيفيات تعزيز التعاون بين البورصة الجزائرية ونظيرتها التونسية    التشكيلية يمينة بورحلة تعرض ذاكرتها الإبداعية بالجزائر العاصمة    إيرادات الجباية العادية تواصل منحاها التصاعدي في 2024    العدوان الصهيوني: الأمم المتحدة تدين المجزرة الصهيونية في بيت لاهيا    دراجات: تتويج الدراج حمزة ياسين بطلا للدورة الوطنية للدراجات الهوائية بتلمسان    أكتوبر الوردي: حملات تحسيسية مكثفة بتيميمون حول الكشف المبكر عن سرطان الثدي وعنق الرحم    النعامة: الشروع في تسليم الإعانات المالية لإعادة تأثيث منازل المتضررين من الفيضانات    المجلس الشعبي الوطني يشارك بواشنطن في أشغال المنتدى البرلماني العالمي 2024    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الشؤون الخارجية التونسي    انطلاق الاحتفالات المخلدة للذكرى ال 50 لتأسيس الاتحاد العام لعمال الساقية الحمراء ووادي الذهب    بداري يلتقي بممثلي الطلبة من مختلف كليات العلوم الطبية    ميناء الجزائر: معالجة أزيد من 232 ألف مسافر خلال موسم الاصطياف 2024    ديدوش: قطاع السياحة يعرف "تنافسا كبيرا" ويحتاج إلى طاقات مؤهلة ومحترفة    الجزائر العاصمة.. إخماد الحريق الذي شب بمصنع للبسكويت بالمنطقة الصناعية بالرغاية    الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار : ادراج الصناعات السينماتوغرافية ضمن أولويات الاستثمار في الجزائر    "كانكس ويكاند 2024" : ضرورة وضع آليات مشتركة لتمويل الإنتاجات السينمائية والسمعية البصرية    العرض الأول بالعالم العربي : فيلم 196 ينافس في مهرجان الجونة السينمائي    الوزير الأول يستقبل السفير المنسق المقيم لمنظمة الأمم المتحدة بالجزائر    فلسطين: أكثر من ألف مستوطن صهيوني يقتحمون المسجد الأقصى المبارك    رئيس الجمهورية يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء    ملاكمة: ايمان خليف تستعرض مشوارها الرياضي وتكشف عن آفاقها المستقبلية    معسكر: وفاة شخصين وإصابة آخر بجروح في حادث مرور    طاقات متجددة: الجزائر تمتلك امكانات هائلة للتميز في مجال الهيدروجين الأخضر    انطلاق التصفيات المحلية الخاصة بجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره    حمدان : مسيرة الكفاح الفلسطيني بقطاع غزة ستستمر ولن تتوقف بارتقاء قادة حماس    الجزائر ترفض الابتزاز المغربي    بوغالي يرافع للقضيتين الفلسطينية والصحراوية    أوقفوا قصف أطفال غزّة    الشرطة تحسّس التلاميذ    دعوة إلى إشراك جميع الاختصاصات الطبية    اختتام الدورة التكوينية لتأهيل القائد الكشفي المقدسي    رقم مميّز للخضر    مولودية الجزائر ترتقي إلى الصدارة    أعلى لاعبي كرة القدم أجرا في العالم    القاسمي ينعي السنوار    ضرورة دعم المجتمع الدولي لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين    يوم إعلامي حول تمويل المشاريع المبتكرة يخص التعريف بالوسائل    اللجنة الوزارية تباشر مهامها في حادثة انهيار عمارة ببشار : "التعديلات الأرضية التي أجراها التجار لمحلاتهم من بين الأسباب"    مفوضة الاتحاد الإفريقي تدعو إلى اثراء المتحف الإفريقي الكبير واسترجاع الأملاك الثقافية الافريقية المنهوبة    كرة الطاولة/بطولة إفريقيا: الثنائي بوهني-ناصري يحرز الميدالية الفضية    ربيقة يسلّم دعوة لغالي    المنفي مدعو لحضور احتفالات نوفمبر    الاقتصاد الوطني سينمو ب4.5 بالمائة    تظاهرات متنوعة وإطلاق مشاريع تنموية بولايات الجنوب    10 مساهمات للمسلمين في العلوم    وزير الصحة يؤكّد ضرورة إنشاء أقطاب خاصّة    وزير الصحة يشرف على افتتاح أشغال المؤتمر الدولي لأمراض القلب    فرنسا تسمم زعماء إمارة أولاد سيدي الشيخ    الابتلاء من الله تعالى    منصّة رقمية لتسيير مصالح الاستعجالات    اللجنة الوطنية للأطباء المقيمين في إضراب وطني لمدة 3 أيام    حملة تلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    المنتخب الجزائري لتنس الطاولة في مواجه ساخنة مع النيجيري    الخضر يتاهلون إلى كأس أفريقيا للأمم 2025    نعمة الأمن لا تتحقق إلا بوجود 4 مقومات    هكذا نزلت المعوذتان على النبي الكريم    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكواتي القصبة

يحتاج المكان العاصمي إلى تأثيثات فوزي سعد الله وإلى كتابته المرحة والنزقة المخلوطة بصرامة التاريخ ورهبة الجغرافيا المعجونة بكل شيء من ذلك الشيء، الحنين والفرح والصمود التأريخ والأرشفة، التذكار والذكريات والاستعدادات والأناقة والترتيب والمنهجية والستيل، والطريقة والتعقل والتعقلية مع حضرة السيد المبجل المكنى ال ت ا ري خ، كتاب فوزي ''قصبة الجزائر·· الذاكرة، الحاضر والخواطر''، صدر وليس مهما مذ متى ومع من، فذلك نصيب من الإهمال يمس دائما العربية الجمالية والمعربين الجماليين غير الأخلاقويين، حيث انتمى فوزي إلى ذلك الفضاء المرهق، المضجر، والمتقاعس الغيّور والحقود، حيث ضراوة الأسلاف تزداد كل يوم والشعوذات كل يوم والعضات المشؤومة كل يوم، والورق الأصفر كل يوم كخضراء الدّهن، لهذه التعاسة لم ينتم فوزي ولا انخرط ولا ورّط حبره وبحره في الماء الآسن، فوزي تشبع بثقافة الأندلس والأندلسيين، حاور الرّواد وبحث في أغوار المجهول من الموسيقى والذوق والعادة المجتمعية ولم يتحرّق بأعصاب ولم ينتفخ بأورام ولم يكترث لمتطفلين سرقوا التاريخ، شعابه ورياضه، رائحته وما يتضوع منه، حواضره وعواصمه، تركوا قواصم الظهر وفواجع الدهر، اٍن فوزي كأحمد توفيق المدني وكالشريف الزهار، كأبي القاسم سعد الله، وكالمهدي بوعبد لي، عائد كي ينفض الغبار، كي ينفض السّيخ والعتاقة وكي يجبر ما يمكن ترميمه وتجبيره، مع أنّه من جيل الوسط الذهبي لكن الاهتمام بالتاريخ ظل نادرا بالنسبة لهذا الجيل الذي ذهب كالإعلام والاتصال، أدب وترجمة، فنون دراسية وآثار، فالجيل المعّرب الذكي من هذه العيّنة مرميّ في غيابة الجب ولا أحد يلتقطه، يسمعه، ينصته، ينصت له، والحاصل أن التسعينية الهادرة أماتت، هجّرت، نفت، باعت وابتاعت، اشترت بثمن بخس وبدراهم معدودة عاودت الغش والتدليس··
ولست هنا في سياق تعداد حسنات ومناقب ولا تقفي خطوات الشقاء في مسار قياسي يتعلق بجيل فوزي سعد الله واجتهاداته لقد اشتغل في المنسي، المسكوت عنه، المطموس، الغابر كما لم يشتغل واحد من جيله -المتكون باللغتين العربية والفرنسية- نصا مكتوبا وشفوية محكمة عن اليهود الجزائريين بشقين معنونين ''هؤلاء المجهولون'' أولا، ثمّ ''موعد الرحيل''، ولم يكن ذلك الجهد إلا مقدمة الموهبة المبكرة الأسلوب المتفاني ولغة السهل الممتنع الرشيق، الساخر، السمح الأخلاقي، كتابة الصفة والموصوف، كتابة الحقيقة النسبية والوقائعيّة المنسربة من بين الأطلال والبواكي والحسرات، كتابه الحفر في المسمى والملفوظ والدارج، وبالكاد ليست هي كتابة التعامل والمجاملة والشبهة والتجني والتشفي، مرّ الكتاب بذاته بسيرة الأبطال كما الأبطال، كتاب ''يهود الجزائر'' كان مطلوبا على شهرة وذيوع وعلى استحقاق ومكرمة -لم تكن- وعلى حشمة توزيع ونوايا محفوفة بمخاطر بلوغ الجحيم، مضت سيرة يهود الجزائر بلا مدارسة وتفكير وتقليب أوجه نظر وتبادل نحت أفكار فوزي ورؤاه التاريخية للعاصفة ولم تتمالك أن تواجه الأقدار وغبش العين والتراخوما السياسية والاجتماعية وحتى الأكاديمية، لم يكن الكتاب في الشعر العمودي، ولا في الثوابت الوطنية ولا في الأدعية المستجابة ولا في أخبار الجهمية والمعطلة بل في فن التذكار حكاية قوم مروا، التبس وجودهم علينا، لبّسوا تاريخهم حاضرنا، وكذبوا فلم نقدر على دحر كذبهم ودحر ملفوطاتهم ودحر عاداتهم إلا بصناعة الكذب على التاريخ بالضلالة والتزوير والإبعاد والأنانية القومية، بزغ فوزي بكتابته العذبة في ذلك الظرف العصيب ظرف الانسحاب والانكفاء والتفرغ للزواج وللأولاد والهجرة والخروج من زمن الفعل إلى زمن التراب وآباء التراب، زمن لغات الخشب وأصوات الخشب وبرامج الخشب لكنها الحياة بوصفها الامتحان والمسابقة والانصهار والمصاهرة هي من أدخلته إلى التجربة الصعبة الكبرى بالبقاء حيا يرزق على التأليف والنحت والإبكار، ففي الجعبة أشياء كثيرة وأخبار تروى وحكي لطيف، صغير، مجزّأ أحيانا لكنه عميق جدا به الهاوية والشغف بالسكنى، به المعرفة الموثقة والإحالات، به الجرح المنكأ وغباءات النسيان ''قصبة الجزائر·· الذاكرة·· الحاضر والخواطر''، صدر على تعثر وتلكؤ رويدا، رويدا كما كان يستعذب النطق بذلك مدرسو اللغة العربية القدامى من بعد تنقيب وهيمان من أجله في الشوارع والزواريب، الكتاب الجميل المصطحب بالصور مع بعض حسنات الاختيار يحفظ له جماله في هذه النصوصية الرحيبة الجوالة البارتية -نسبة إلى رولان بارت- جعل به سعد الله قصبته حرة مملوكة لحريتها تنتقل في الرحاب والرياض والدروجات والدايرات··
لا يكتب فوزي التاريخ بمدرسية ادعائية ومرجعية أكاديمية متفاخرة إنه يكتبه متحررا عابرا مضيئا، ملتفتا ذكيا، كاتب وقاره معه وطمأنينته معه وقصبته معه يدافع عنها، يذود عن حصنها ويبعث بحكاياتها وعن شعريتها الخفية، هي الحصن والمقام والرحبة والدّردْبة هي الساعات الهنية في البساتين والقصور هي هضبة الأبيار والثغور والثغورات والجنان من مصطفى باشا حتى قصص الحامة حتى جنان بن عمر، ليس لهذا حدود ولا إقليم هذي البهجة التي تعادل الدنيا كلها، الجزائر كلها، قلعة بولوغين ابن زيري ابن مناد، مهد الأساطير والزرنة والطبول التركية، باب عزون وباب ادزيرة وباب الواد، قاع السور وسوسطارة والتاغارة والزغارة، صرخات بابا سالم وشجن الربابات والكمنجات والعيدان والقويطرات، خلطات السّحر والنغم الجزائري، الغرناطي القرطبي، البلنسي، مذاقات هي البهجة، قصبة مذاقات يكتبها لنا فوزي بدعابة العاصميين المرحين، الغريبين الذين يعرف ولا يعرف لهم أصل وفصل إلا في إرثهم الفينيقي، اليوناني، الروماني، البيزنطي، الوندالي، العربي الإسلامي·
يخضع نص القصبة هذا إلى فهرسة وتبويب بشقين وهو ليس تأريخا يحترم الطريقة والكيفية وليس إعلاميا يتضمن الأبجدية الأولى لمبتدئي الإعلام الثقافي وفيه ما فيه من الصور والفوتوغرافيا عن سكان القصبة، ونساء دولاكروا، الحايك والعجار، وحضورات العثمانيين وأبهتهم الدايات والبايات والجوامع، المخابز والكيلاوة وشاربي الطّاسه، أقاصيص البحّارة ومواويل الغناء ولاعبي البوكر والجاندو والرّوندة، فضلا عن بواكير وتجليات قصبية كثيرة، كرة القدم وطابلات الشراء، ألعاب الأطفال السارة من ''أوليمان'' و''ألاطاك'' و''التشيلا'' وليس ذلك إلا أقل الفيض، فللقصبة فيوضات مدرارة وسرد شامخ لا بتداعي ومريدين لا ينقطع أملهم عن المبتغى الحضاري في عناق هذه الشامخة المستبسلة التي عاندت الغراة والعدوانيين والإرهابيين· نص فوزي عن القصبة هو نص المحبة والحنين، رسالة في الاشتياق والرغبة، حكواتي القصبة يظل هكذا مفجوعا، ينحب، يبكي في تقية وسر، باطني يؤجل الدمع إلى موعد لاحق لكنه يتحدى، يتصلب، وقور لا يتأفف شيمه الفنية من شيم سيد علي كويرات ورويشد وأرسلان وسيد أحمد أقومي ومصطفى كاتب وعلال المحب، حكواتي القصبة رابط مع الرابطين في تسعينية الشؤم والغياب عائد اليوم إلى المجالس الجميلة والساعات الهنية تلك التي قضاها معنا في شارع موريس أودان·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.