قد أكون أحلم بدستور ينهي هيمنة السلطة التنفيذية على بقية مؤسسات البلد.. وقد أكون أحلم بأن نرى الدستور القادم يضع مؤسسات الدولة تحت السلطة المطلقة للشعب، من البلدية إلى الرئاسة. دستور يجرّم التزوير في الانتخاب، ويجرّم التحايل السياسي على الشعب. نعم، الرئيس بوتفليقة أضاع على الجزائر فرصة التنمية والخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية والأمنية، لأنه أضعف المؤسسات الدستورية وعوّمها بالرداءة، وشجع رجال الثقة على رجال الكفاءة، وكانت النتيجة في حكمه تنمية الفساد أكثر من تنمية البلاد. اليوم، نسمع أصواتا تنادي بالعهدة الرابعة وتريد دستورا يكرّس هذه الفكرة..! ليس حبا في الرئيس، بل حبا من هؤلاء في البقاء في دائرة الحكم الفاسد. سجلوا، من فضلكم، أن ''المناشدين'' للرئيس بالترشح لعهدة رابعة هم المستفيدون من الحكم بالفساد الانتخابي والسياسي والمالي.. تماما مثلما ناشد المناشدون بن علي تونس بالرئاسة مدى الحياة.! هل من الصدفة أن أغلب المناشدين في الجزائر ملفاتهم أمام العدالة.. وأن البقاء في السلطة أو في أروقتها هو الضمان الوحيد لبقاء الحصانة.! إذا كان التوانسة قد وضعوا قانون العزل السياسي لمن مارس ما يسمى بالمناشدة، فإننا في الجزائر ينبغي أن نضع قانونا نعزل به، سياسيا، رموز الفساد، وهم بالتأكيد رموز المناشدة أيضا.! الأخ هواري بومدين الذي كتب التعليق بالفرنسية رقم 22 على عمود الأمس، كان على حق عندما قال: إن الجزائر صرفت 500 مليار دولار على التنمية خلال 14 سنة، ولم نر هذه التنمية بالصورة المطلوبة. أنا أقول له هذه فعلا كارثة وطنية، ربما تعادل في خطورتها كارثة سماح الداي ورجاله باحتلال الجزائر سنة 1830، لأن أوروبا الغربية خصصت لأوروبا الشرقية 16 مليار دولار لتنميتها وإيصالها إلى مستوى الأداء الاقتصادي لأوروبا الغربية، ومن ثم قبولها في الاتحاد الأوروبي، وحدث هذا خلال عشرية فقط.. فكيف تخصص الجزائر 500 مليار دولار للتنمية ولا نرى لها أثرا؟! فلا يوجد أي تفسير مقنع لما حدث.. إما أن الأرقام كاذبة، وإما أن هذه المبالغ صرفت على السراق وحوّلت إلى الخارج.. وضيّعوا علينا فرصة الخروج من التخلف. ويبقى التساؤل: كيف حدث هذا؟! والجواب واضح.. لأن البلاد لا تتوفر على مؤسسات دستورية وسياسية وإدارية، تمارس الرقابة على المال العام.. أي أن البلاد كانت، ولاتزال، تدار خارج كل القوانين الخاصة بالرشادة والحكامة وحسن الأداء الإداري والسياسي والاقتصادي. أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة من التعفن السياسي والاقتصادي، لا سبيل للخروج منها إلا بوضع مؤسسات دستورية خاضعة لإرادة الشعب وتحت سلطته. مؤسسات لا مكان فيها للسراق والمناشدين وذوي الكفاءات العالية في الرداءة السياسية. نعم، قد أكون أحلم بأن يتفطن الرئيس ويتفطن الشعب معه، إلى أن سبب البلاء في هذا الفساد هو هؤلاء المناشدين.. والحلم أفضل من اليأس على أي حال.