لا يعلّق العارفون بالشأن الداخلي لحركة مجتمع السلم، ويعرفون شخصية عبد الرزاق مقري عن قرب، آمالا كبيرة على نجاح الرئيس الجديد للحزب الذي طلّق السلطة منذ فترة قصيرة بحثا عن استعادة أمجاده عبر المعارضة والقواعد الشعبية. الصعوبات التي تعترض طريق مقري، موجود بعض منها في طبعه الشخصي. فهو رجل يتحدث كثيرا ب ''أنا''، وهذه صفة مذمومة عند الاسلاميين الذين يرافقون دائما هذه الكلمة ب ''العياذ بالله''، أو يستبدلونها بعبارة ''العبد الضعيف''... وربما هذه هي الباب التي كانت السلطة دائما تدخل عبرها إلى بيت الاسلاميين، وتجد الطريقة لعزل كل من تشتم فيه رائحة الكاريزماتية، مثلما حدث لجاب الله في مختلف تجاربه الحزبية، ما سمح لها بجر الأحزاب الاسلامية إلى لعبة المشاركة في السلطة واشتعال حرب المناصب والامتيازات بين إطارات مختلف الأحزاب المحسوبة على التيار الاسلامي، على غرار الأحزاب الأخرى الفاعلة في الساحة السياسية الوطنية. والثابت في علاقة السلطة عندنا مع الأحزاب السياسية، أنها لن تترك أيا منها يسيطر على الشارع ويفرض منطقه عليها، حتى لو تعلّق الأمر بشخصيات تولّت مناصب المسؤولية في أجهزة الدولة، كما حدث للمرحوم عبد الحميد مهري، الذي دفع السلطة للبحث عن بديل للأفالان، دون أن تتردد في ذلك وأسست الأرندي في ظرف وجيز ومنحته الأغلبية البرلمانية في زمن قياسي كذلك. والصعوبة الثانية التي تعيق طريق عبد الرزاق مقري، أن فكرة ''المعارضة الراديكالية'' التي يؤمن بها، لم تعد تستقطب الجزائريين كما كان عليه الحال إلى غاية التسعينيات، ولا تستقطب الاسلاميين بشكل خاص والاخوانيين بشكل أخص، بحكم تربية الراحل محفوظ نحناح القائمة على التدرج في الوصول إلى السلطة. وقد فهم مقري هذا الواقع بمجرد انتخابه على رأس حمس، حيث شرع في أولى حواراته على شرح مفهوم ''المعارضة الراديكالية'' عنده، وحرص لتقديم ضمانات لأطراف متعددة بأن راديكاليته لا تعني المغامرة والذهاب بالبلاد إلى الفتنة... وهذا التردد في السياسة لا يخدم من يسعى لحشد الجماهير، أو على الأقل لحشد مناضلي حزبه وتفادي انقسامات جديدة. وبما أن صعود مقري إلى رئاسة حمس لا ينفصل عن المواعيد السياسية التي تنتظر البلاد، سيما الموعد الرئاسي، فيتعين على مقري لينجح في مهمته أن يحسب أوراقه جيدا قبل إبداء أي موقف أو تموقع. وهو ما يتناقض قليلا مع شخصية مقري، الذي يقول عنه الحمسيون السابقون والحاليون إنه ''ليس رجل حسابات ومساومات، لكنه أيضا ليس بالرجل الصريح''. بمعنى أن مقري رجل سياسي ذو مسار نزيه وحافل بالنضالات والمبادرات، لكن رئاسة حزب تتطلب تسيير توازنات لم يعرف عن الرجل حنكة كبيرة في هذا المجال. وعليه، يصعب معرفة من خلال شخصية مقري الموقف الذي ستتبناه حمس من الآن في الرئاسيات القادمة، لأن الرجل قد تعصف به رياح التكتلات الظرفية إن حاول السير عكس اتجاهها. أما نقاط القوة التي يتمتع بها الرجل، فزيادة على سمعته الطيبة لدى الحمسيين، وحتى في الساحة السياسية الوطنية، فهو يتمتع بشبكة علاقات واسعة في الخارج. كما يحظى بثقة جماعة الإخوان المسلمين، لكنه من معارضي فكرة العمل مع التنظيم الدولي للإخوان ويفضل العمل داخليا. وهذا قد يشفع له عند صانعي الانقلابات الحزبية في بلادنا.