دخل غياب رئيس الجمهورية أسبوعه الثاني، بعد تعرّضه لوعكة صحية ألزمته العلاج في الخارج، ودخل عدم انعقاد مجلس الوزراء شهره الخامس، ودخلت أحزاب السلطة، الأفالان والأرندي، فترة شهور دون وجود قيادة رسمية. في مقابل هذا التعطل في سير مؤسسات الدولة، تمر الجبهة الاجتماعية بحالة غليان غير مسبوقة، اختلطت فيها المطالب المهنية بالسياسية، والاجتماعية بالاقتصادية، في صورة تظهر حالة من ''التعثر'' في سير دواليب الدولة التي تشتغل بالحد الأدنى للخدمة لأسباب مرتبطة بالصلاحيات وسلطة اتخاذ القرار بين المؤسسات الدستورية. وهذا الوضع، وإن جعل حضور الدولة مضمونا في نشرة الثامنة للتلفزيون، لكنه بالنسبة للمواطنين المحتجين والنقابات المنتفضة، لم يلمس هذا الحضور للدولة في الميدان، مما جعل البلد برمته يدخل في مرحلة تسمى ''الترقب والانتظار''. مجلس الوزراء مغيّب منذ شهور مؤسسات الدولة معطلة وجبهة اجتماعية ''تغلي'' لم يخفف مرض الرئيس، من حدة الاحتجاجات الاجتماعية، على غرار ما كان عليه الوضع في 2006، حيث التزمت النقابات بسبب مرض الرئيس بهدنة اجتماعية، بل ازدادت الأمور تفاقما على النحو الذي يكشف عن عجز مزمن في إيجاد حلول للمطالب المطروحة في الساحة بسبب تعطل سير مؤسسات الدولة بفعل غياب رئيس الدولة. لم ينفع لجوء الحكومة إلى مشروع قانون مالية تكميلي لسنة 2013، لتغطية النفقات المستعجلة التي ولّدتها احتجاجات الجنوب وغيرها، لأن مرور القانون لا يزال ينتظر اجتماع مجلس الوزراء للمصادقة عليه، في حين أن اجتماعات مجلس الوزراء لم تنعقد منذ شهر ديسمبر الماضي. وحسب مصادر مطلعة، تنتظر الكثير من مشاريع القوانين الضوء الأخضر من مجلس الوزراء المعطل جراء مرض الرئيس، على غرار مشروع قانون التعاضديات ومشروع قانون المناجم، والقائمة طويلة في طابور الانتظار. كما أن جعل القوانين في موضع التنفيذ يحتاج في غالب الأحيان إلى مراسم تنفيذية، يحتاج الوزير الأول لإصدارها للحصول على موافقة رئيس الجمهورية عليها، بموجب التعديلات الدستورية لسنة 2008، وهو ما يعني أن الوزارة الأولى تفتقد للذراع والآلية الأساسية التي تنفذ بها برنامجها في الميدان، وبالتالي مواجهة ما يصلها من مطالب وانشغالات للمواطنين والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، وهو ما ذهب إليه رئيس الكونفدرالية العامة للمقاولين الجزائريين، حبيب يوسفي، الذي كشف بأن ''كل القرارات المتخذة في الثلاثية الماضية لم يتم تجسيدها على الميدان وبقيت حبرا على ورق''. وهذا التعطل في إصدار القرارات في موعدها المطلوب من قبل مؤسسات الدولة والدوائر الوزارية، وراء تراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بالشكل الذي جعل التنظيمات المهنية والنقابية تقف على صفيح ساخن وغير مستعدة لتأجيل حركاتها الاحتجاجية، حتى في ظل غياب الرجل الأول في الدولة بسبب المرض، وذلك من باب أن السلطات العمومية كان أمامها متسع كافي من الوقت لمعالجة المشاكل واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها. كما أن السير البطيء لمؤسسات الدولة، والتي فرضها تكريس كل الصلاحيات في يد رئيس الدولة، قد أفقدت الثقة في الهيئات المكلفة بالتنفيذ، وبالشكل الذي أضحت معه الحركات الاحتجاجية تأخذ منحى التصعيد في اللهجة والتطرف في الآداء، بغض النظر عن محتوى مطالبها وثقلها، وهو ما ظهر لدى موظفي قطاع الصحة أو التربية أو بطالي الجنوب، وحتى لدى أصحاب المخابز الذين شنّوا إضرابا غير مسبوق احتجاجا على تباطؤ الحكومة في التكفل بملف التسعيرة. إن حالة العجز والوهن الذي ألمّ بمؤسسات الدولة، وجعلها تسير بخطى السلحفاة، في مواجهة صعود مطالب اجتماعية تطفو للساحة بسرعة البرق، ولّد هاجسا لدى المواطنين والموظفين والنقابات، وحتى لدى السياسيين، هل يوجد قائد في الطائرة التي تسيّر البلد. الأفالان بدون قيادة والأرندي يسير بالحد الأدنى للخدمة مرض الرئيس يفقد حزبي السلطة البوصلة يمر حزبا النظام، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، بواحدة من أسوأ فتراتهما، لسببين. الأول أن كليهما بدون قيادة منذ أربعة أشهر، والثاني أن الشخص الذي تحالفا معه منذ 9 سنوات من أجل تطبيق برنامجه، غائب بسبب المرض ولا يعرف إن كان سيستعيد عافيته، ليعرف الحزبان إن كانا سيدعمانه لعهدة رابعة. ولغياب الرئيس أثر أسوأ على الأفالان مقارنة بالأرندي، لأن قيادة الحزب الموصوف ''عتيدا'' كانت تترقب من عبد العزيز بوتفليقة أن يعطي مجرَد إشارة أو إيحاء يفهم منه، أي من الأشخاص يرغب في أن يستخلف عبد العزيز بلخادم، الذي خسر معركة الثقة نهاية جانفي الماضي. ولكن هذا الترقب أبدته القيادة قبل النوبة الدماغية التي أصابت الرئيس، ولم يصلها شيء ممن وضع على رأس الحزب منذ 2005، دون أن يحضر أيا من اجتماعاته طيلة ثماني سنوات، بما فيها أكبرها، وهو المؤتمر. وليس خافيا على أحد أن بوتفليقة طلب دعم حمس والأفالان والأرندي خلال ترشحه للرئاسة في ثلاث مناسبات، وطلب دعمها في مبادرتي الوئام المدني والمصالحة الوطنية، وفي إطالة حكمه عندما عدَل الدستور في .2008 ولكن الرئيس لم يظهر أبدا أي نوع من الالتزام تجاه هذه الأحزاب. وقد فهمت حركة الراحل محفوظ نحناح ذلك جيدا، فقررت سحب مساندتها للرئيس، بينما حافظ الأفالان والأرندي على ولائهما لنزيل قصر المرادية، طالما أن القرار فيهما لم يكن بيد بلخادم ولا أويحيى. وقد كان يفترض أن يعرف حزبا السلطة انتعاشا، بحكم النتائج التي حصلا عليها في انتخابات البرلمان والبلدية في ربيع وخريف العام الماضي، غير أن العكس هو الذي حدث. فالأفالان تعوَد ان يكون في صدارة النقاش السياسي طيلة تواجد بلخادم على رأسه. لقد كان الأمين العام السابق، وبلا منازع، المادة الرمادية التي أعطت الحزب حركية كبيرة ومكّنته من التفاعل مع الأحداث. والدليل على ذلك، أن أداء الأفالان تراجع سياسيا وفكريا إلى حد كبير بانسحاب بلخادم منه، ويجد الحزب صعوبة كبيرة في إيجاد بديل له حاليا. وكان مرتقبا أن يعطي الإعلان عن التعديل الدستوري دفعا في مستوى آداء الحزب. ولكن بغياب بالخادم وبدخول بوتفليقة في حالة مرض وغياب عن الساحة، فقد الحزب بوصلته، في انتظار أن تحدد له الوجهة التي يختارها ''أصحاب الدار''، بحسب تعبير قيادي كبير في الأفالان. أما الأرندي، فقد مارست جماعة حفصي وبن حصير ضغطا كبيرا لتنحية أويحيى. وجاء فيدوم فركب القطار وهو يقترب من محطته النهائية. ولم يكن خصوم رئيس الحكومة السابق يتوقّعون أن يرمي المنشفة بسهولة، ولكن حدث ما حدث بإرادة ''أصحاب الدار''. ومن كان يشتكي من هزال أداء الأرندي سياسيا، ومن كان يصفه ب''الثكنة'' كناية عن غياب حرية المبادرة والنقاش في هياكله، هو اليوم يبكي على أيام أويحيى الذي مهما قيل فيها، فهي أحسن من أيام عبد القادر بن صالح، الذي لا يُعرف له موقف واضح من أية قضية، ولا رأي في أي موضوع. وبشهادة أعضاء المكتب التقني، المستحدث في الحزب، هو مثل الماء، لا طعم ولا لون له. الجزائر: حميد يس حوار رئيس المجموعة البرلمانية لتكتل الجزائر الخضراء نعمان لعور ل ''الخبر'' النظام عليل لأن صاحب السلطة مريض نحن أمام وضع قائم، رئيس مريض، مؤسسات سياسية معطّلة عاجزة عن الاستجابة لمطالب الشارع... هل هذا وضع طبيعي بعد 50 سنة من الاستقلال؟ هناك تعتيم وحجب للمعلومات، ونحن لا نعرف إن كان الرئيس قادرا على الاستمرار في منصبه أم لا. الثابت أن هذا الوضع انعكس على سير مؤسسات الدولة وتوابعها، رغم أن السلطات تحاول الإيحاء بالعكس من خلال النشاطات.. فالنظام عليل، لأن صاحب السلطة مريض. وهذا التعتيم والغموض، هو للتغطية على ما يجري في الكواليس حول سيناريو رئاسيات 2014، وللأسف مازال النظام الجزائري أسير تقاليد مرحلة الأحادية، أي تدبير القرار ورسم الخطط والقرارات في مخابر مغلقة، والسلطة تعمل على وضع السيناريوهات القابلة للنجاح والاستمرار في الحكم، دون الالتفات إلى رأي الشعب، الذي هو مصدر كل سلطة. والأصل أننا بعد نصف قرن من الاستقلال، انتقلنا من دولة الأشخاص إلى دولة المؤسسات. وسط هذا المشهد، المعارضة تقف موقف المتفرج أو تكتفي بالبيانات والخطب، وأنها أصيبت بمرض السلطة، هل هذا هو قدرها؟ المعارضة مكبّلة، لا تستطيع فعل الكثير، والأسوأ أن الشعب أصبح لا يؤمن بالعملية السياسية، لأنه وضع خارج اللعبة، ثم غياب دور للمؤسسات المنتخبة مثل البرلمان. فبعد سنة من انتخابهم، لم يتمكّن النواب من طرح انشغالات ناخبيهم، والموطنون تفطنوا لذلك، ومن جديد قرروا أخذ مصيرهم بيدهم. فعندما لا تؤخذ انشغالاتهم بعين الاعتبار، ينزلون للشارع ويمارسون العنف لإيصال مطالبهم، بعد أن أدركوا أن السلطات لا تستمع إلا للعنف. للأسف، الدول لا تقام بهذه الطريقة. أمام هذا المشهد، كما قلتم هناك نظام مريض وتعتيم، كيف الخروج من هذا الوضع؟ مرض الرئيس، وإصابة أحزاب ومؤسسات السلطة بالعدوى، يدعونا للتفكير بعمق في التغيير وفرصة الإصلاح الدستوري الجاري تجهيزه، فرصة يجب انتهازها. وأذكر هنا بمقترح حمس والتكتل لإقامة نظام برلماني قائم على المؤسسات، وليس على الأشخاص، لتجاوز شلل مؤسسات الدولة، وحتى لا نرهن مستقبل البلد والشعب، وندخل في حالة فراغ سياسي غير محمود العواقب، في محيط دولي غير مستقر وتهديدات متزايدة. إلى جانب هذا، يجب إضفاء ديمقرطية أكبر على الساحة السياسية، واعتبار المواطن كمحور العملية السياسية وفي اتخاذ القرار. الجزائر: حاوره ف.جمال رئيس حزب ''جيل جديد'' جيلالي سفيان ل ''الخبر'' الوضع يتطلب استدعاء اجتماع للمجلس الأعلى للأمن ما قراءتكم للوضع السياسي الحالي الذي تمر به البلاد؟ الوضع الحالي يعتبر عاديا لنظام سياسي فقد كل وسائل تسيير شؤون الوطن. نحن في فوضى عارمة، والجزائر بحاجة إلى نظام حقيقي، نفتقده حاليا. فإذا كانت دول ''الربيع العربي'' طالبت برحيل النظام، فنحن نطالب برحيل الفوضى، لأنه لم يعد لنا أصلا نظام. ما المقصود بعدم وجود نظام؟ أقصد ضرورة الخروج من نظام الأشخاص، والدخول في نظام المؤسسات.. حقيقة، وضع الجزائر في خط، وأغلبية المؤسسات معطلة والجبهة الاجتماعية في غليان كبير، والطبقة السياسية مشلولة.. يجب أن تتخذ إجراءات سريعة، وأنا كنت انتظر اجتماع المجلس الأعلى للأمن، فلا يمكن أن نترك رأس الدولة في الخارج في بلد بعيد عنا، فهو الذي أمضى مرسوما في اليوم العالمي لحرية التعبير، واتخذ قرارات أخرى في مستشفى عسكري يتبع دولة أجنبية، نحن كنا نتمنى تفعيل مؤسسات الدولة كما ينص عليه القانون، ويجب مخاطبة الأمة بشأن حقيقة ما يحدث. وكيف ترون مصير تعديل الدستور في ظل هذه الظروف؟ تعديل الدستور أمر خيالي، لم أقتنع به، هو أصلا كان مبرمجا من أجل العهدة الرابعة، وحاليا تبخر هذا الحلم. فلا تعديل للدستور ولا عهدة رابعة. وماذا تتوقّعون أن يحدث؟ ربما سيعود الرئيس ويواصل عمله، وربما سيعلن عن انتخابات مسبقة، أو يمكن أن تطبق المادة 88 من الدستور.. ربما يأتينا رئيس جديد ويحل البرلمان ويفتح مجالا جديدا للتحرك السياسي، كما يفتح الحوار على كل الحساسيات، تحسبا لوضع دستور شعب وليس دستور رئيس. وهل تتحمّل الأحزاب مسؤولية فيما نحن فيه؟ الأحزاب مشلولة وأغلبها تسير في حاشية الرئيس، وبعد 14 سنة من الغلق كان طبيعيا أن لا يبقى سوى قلة قليلة في المعارضة، التي بدورها أسكتت. ومنذ سنة، فتحت الساحة بعض الشيء وظهرت وجوه جديدة، نتمنى أن تغلّب المصلحة العامة على الشخصية. وهل يمكن أن تمارس الأحزاب ضغطا في اتجاه تخطي هذه المرحلة؟ الضغط لا يأتي من الأحزاب، وإنما الواقع الذي يدفع الأحزاب. لكن وبعد 14 سنة من سلطة الشخص الواحد، تعوّد الكل على تلقي الأوامر. أما الأحزاب التي توصف ب''الكبيرة'' هي عبارة عن بالونات منفوخة، والرئيس اختار رجالا عديمي القوة السياسية، بشكل أصبح فيه، عندما يغيب يترك فراغا رهيبا، لأن كل شيء مرتبط به. الجزائر: حاوره محمد شراق