إذا كانت الانتخابات الرئاسية ليوم 9 أفريل الجاري، مزورة حسب ما يدعى البعض ممن شاركوا فيها فهل كان التنافس على من يحصل على 5٪ حتى يتم التعويض عما "أتلف" في الحملة الإنتخابية؟ * وإذا كانت نتائجها حقيقية، كما أقرها المجلس الدستوري فما التغيير المرتقب؟ * * الأحزاب بين الشعب والسلطة! * * إذا كان الشعب الجزائري قد اختار إداريا أن يعطي للرئيس أكثر من 90٪ من أصواته، فهذا يعني أن هناك خللا ما، فإما أن الشعب يريد "الاستمرارية" ولا يريد التغيير، وإما أنه اقتنع بالمرشح بوتفليقة ولم يقتنع بمرشحي الأحزاب، وفي كلتا الحالتين فإن الأوراق الملغاة أكثر من الأصوات التي حصل عليها مرشحو الأحزاب. * وإذا كان البعض من المرشحين ادّعى بأن تشريعيات 1997 مزورة وبرر صمته بالخوف من "الرصاص"، وأن تشريعيات 2002 كان التزوير فيها "علميا"، وأنه في تشريعيات 2007 كان "ممنهجا" فماذا نقول عن رئاسيات 1995 و1999 و2004م مقارنة برئاسيات 2009؟ * المؤكد أن هناك قراءات للنتائج الرئاسية الحالية لا تتطابق مع الواقع؛ بمعنى أنها افتراضية ومن بين هذه القراءات هي ما أحاول جاهدا الوصول إليه. * مهما كانت النتائج فإن المتأمل في صدقها أن الشعب الجزائري لا يريد التغيير، وأن بوتفليقة أدرك ذلك، ولهذا تجنب استخدام مصطلح التغيير في برنامجه وحملته الانتخابية، وباعتبار أن بوتفليقة مرشح حر، ولا يؤمن بالتعددية الحزبية، إذ لم يُعتمد خلال العهدتين حزب واحد، فالتصويت رسالة إلى الأحزاب الجزائرية بانتهاء مهماتها في الشارع السياسي. * ولعل هذا ما جعل الدكتور طالب الإبراهيمي يتراجع عن تأسيس حزب سياسي، وجعل مولود حمروش يعزف عن التوجه نحو إنشاء حزب. * أما إذا كانت النتائج مبالغا فيها فهي كارثة للسلطة الجزائرية، لأن بوتفليقة لم يكن في حاجة إلى ذلك، ولأن جميع المترشحين لا يملكون ما يجعلهم يتنافسون معه. * وفي كلتا الحالتين فالجزائر مقبلة على تحولات سياسية كبيرة وعلى خيارين اثنين: * 1 تفكك الأحزاب وقيام ما يسمى بالحركات التصحيحية مما يحول العمل الحزبي إلى »عبثية« ويؤدي إلى وجود أحزاب وفسيفساء، تذكرنا بسنوات (1989 1991)، وبالمقابل قد يحدث تكتل سياسي على مستويين أحدهما حزبي، بحيث يتم التنسيق بين اللائكيين والإسلاميين المعارضين للنظام القائم. * وثانيهما، هو على مستوى الشخصيات السياسية ذات التوجهات المعارضة للسلطة وهذا التكتل سيؤدي إلى استغلال إعلامي له، بحيث يؤثر سلبا على نظام الحكم. * 2 فتح المجال الحزبي والإعلامي باعتماد أحزاب جديد بحيث تسمح بعودة الحراك السياسي، وانتعاش العمل النضالي، وهذا سيؤدي إلى ظهور تشكيلات جديدة تكون بمثابة أوكسجين للبلاد. * وربما تظهر أحزاب (جيل المستقبل) و(العدالة والحرية) و(نهضة الإصلاح) و(الإصلاح والتغيير) وغيرها من الأسماء المداولة في كواليس رجال السياسة. * والنتيجة أن أحزاب الإئتلاف الحكومي أو التحالف الرئاسي سيفقد قواعده، وأن الأحزاب التي شاركت في رئاسيات 9 أفريل 2009 ستفقد مصداقيتها. * ويبقى السؤال: هل سيكون للسلطة حزب جديد؟ * ربما تعود النغمات القديمة ب(استرجاع الجبهة)، وبالتالي قد يتشكل حزب جديد من القادة الثلاثة (أحمد أويحي وعبد العزيز بلخادم وأبو جرة سلطاني)، يستلم الحكومة حاليا، باعتباره يمثل الأغلبية في البرلمان في انتظار التشريعيات القادمة. * * الرهان الخاسر! * * هناك رهان على الغرب وأمريكا بالطعن في الرئاسيات الحالية، وهو رهان خاسر، لأن الغرب وأمريكا بالخصوص لا يهمها »مسعود« ولا »بحبح« وإنما هي منشغلة ب»حاسي«، ومادام الحاسي مملوءا بالذهب الأسود، فلا يهم من يكون رئيسا؟ * هذه هي الحقيقة التي لم يدرك البعض ممن يلجأون إلى الغرب عوض التغيير من الداخل. * أما من يراهنون على أن يقوم الرئيس بالتغيير الجذري في سياسته فهم مخطئون، فهو ممن يؤمن بالإستقرار. * ولو أن الأصوات المطالبة بالتغيير تعود إلى الواقع الجزائري، وتتجول في الشوارع، ربما تصادف ذلك الأستاذ المجنون الذي يظهر أثناء الانتخابات أمام البلديات وهو يتسول بأغنيته »الشربة مالحة وهم يغيرون المغارف (الملاعق)«. * فالتغيير المطلوب ليس في »الملاعق« وإنما في »الشربة«، هذا رأي المجانين، فهل نحن عقلاء أمام هؤلاء المجانين؟ * المؤكد أن 20 سنة من الديمقراطية غير كافية لزرع بذور الفكر الديمقراطي، والثقافة الديمقراطية. * والسلطة التي لا تسمح بقيام معارضة قوية هي سلطة مهددة بالتفكك، لأن قوة الدول تكمن في التوازن ما بين المعارضة والسلطة. * ومادامت المعارضة بعيدة عن الشارع السياسي، ومادامت السلطة بعيدة عن هموم المواطن فالسلطة والمعارضة تتحملان »مأساة التعددية في الجزائر«. * عندما يصوت أكثر من 20 مليون مواطن من أجل 10 آلاف شخص، بهدف تحسين وضعيتهم والعودة بهم إلى »بيت الطاعة« فهذا خلل في التفكير وسوء في التدبير. * ومادامت السلطة والمعارضة في الجزائر في حاجة إلى »أصوات الشعب«، في المواعيد الانتخابية فقط فإن الشعب سيبقى بعيدا عنهما ولا يثق في أحدهما. * فمتى تدرك السلطة أنها في حاجة إلى الشعب وأنها دونه لا وجود لها، ومتى تدرك المعارضة أن الشعب هو سلاحها الوحيد في التداول السلمي على الحكم. * ومتى الشعب الجزائري أنه ليس »غوغاء« ولا »غاشي« على حد تعبير أصغر مرشح رئاسيات 1995 الذي صار وزيرا ولم يستطع أن يبقى رئيس حزب. * انتهى »التمثيل والتصفيق والوعود« فمتى يستيقظ النظام الجزائري، ويعود الرشد إلى المعارضة خارج أروقة الحكم؟.