هيئة وديوان محاربة الفساد ولدا ميتين" و"محاربة الرشوة ينبغي أن تسند لشخصيات نزيهة ❊ القضاة “أسود” على “الزوالية” و”نعاج” مع أصحاب “الكتاف” ❊ الحبس الاحتياطي إهانة بشعة للجزائريين يقدم تقرير اللجنة الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان، المتعلق بحال حقوق الإنسان في الجزائر سنة 2012، لوحة قاتمة في كثير من الأصعدة، خاصة ما تعلق بجهاز القضاء وحقوق المتقاضين وتفشي الفساد، فقد أشار إلى وجود “ظلم صارخ في حق مواطنين” يلجأون إلى القضاء طلبا لإنصافهم، و إلى “ممارسة الفساد في جميع الأماكن وكل الأوقات”. جاء في التقرير، الذي حصلت “الخبر” على نسخة منه، في الشق المتعلق بالرشوة والفساد، أن الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومحاربته (أنشئت عام 2006 وعهدت رئاستها إلى إبراهيم بوزبوجن)، “مشلولة تماما وغير موجودة تقريبا.. وقد تطلب الأمر 4 سنوات لتنصيبها”. وذكر التقرير الذي أعده فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة، رفقة الفريق المشرف على إعداد تقاريرها السنوية، أن الدولة “تملك نزعة إيجابية في مكافحة الفساد، ومع ذلك كل شيء يبعث على الاعتقاد بأن الفساد تحوّل إلى مؤسسة قائمة بذاتها”. ويضع التقرير تصنيفين للفساد. الأول يسميه “فسادا صغيرا” يتمثل في مظاهر كافتكاك موعد في عيادة طبيب مشهود له بالاقتدار والكفاءة، مقابل رشوة. والثاني “فساد كبير”، يتعلق باختلاس مبالغ يصفها التقرير ب"الخيالية وعلى أوسع نطاق”. ولا تعطي الوثيقة التي جاءت في 202 صفحة، أمثلة عن فضائح فساد وقعت في 2012، وتشير إلى أن الدولة “أظهرت إرادة سياسية لمكافحة هذه الآفة، غير أنها مطالبة بوضع آليات وطنية رقابية وقمعية بطريقة واعية وجادة”. وأضاف التقرير: “حتى نهاية 2012، يمكن اعتبار الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد والديوان المركزي لقمع الفساد، مؤسستين ولدتا ميتتين في المهد”. وتوصل إلى هذه الخلاصة: “آفة الفساد تتفاقم”. ويوصي التقرير ب"إسناد محاربة الرشوة لشخصيات نزيهة تستفيد من ضمانات لحمايتها ومن صلاحيات واسعة لتأدية مهامها، ولكن أي حماية بدون قضاء مستقل ومسؤول هو ضرب من الخيال”. وعندما تتحدث لجنة قسنطيني التي تتبع لرئاسة الجمهورية، عن ضرورة توفر شخصيات نزيهة لقمع الفساد، هذا يعني في رأيها، أن أعضاء هيئة بوزبوجن لا تتوفر فيهم هذه الميزة، مع أن السلطات أكدت أنها راعت في اختيار أعضائها السبعة شروط المصداقية والنزاهة. ومعروف أن هؤلاء تم تعيينهم للمهمة بمرسوم رئاسي. وتتضمن الوثيقة ملاحظات اللجنة حول قضايا كثيرة متصلة بحقوق الطفل والمدرسة، وأوضاع التعليم والقدرة الشرائية، وحرية الصحافة والمجتمع المدني. أما ثاني أهم المحاور في التقرير بعد الفساد، فيتعلق بالقضاء الذي تقدم الوثيقة الحقوقية بشأنه معاينة لن ترضي بالتأكيد نقابة القضاة ولا وزارة العدل، فهو يشير إلى أن القضاء “أضحى اليوم موضع سخرية وانتقاد من جميع المحللين والهيئات الحقوقية الوطنية والدولية”. وأوضح بأن “إصلاح القضاء يفرض نفسه اليوم بصفة عاجلة وملحّة”. ورغم ذلك، تشير الوثيقة إلى أن “وجود تقدّم على نهج إصلاح العدالة منذ 2000”. ويعود الفضل في ذلك، حسبها، إلى مراجعة بعض القوانين وإلى إنشاء أقطاب قضائية متخصصة. أما عن إصلاح السجون، فيقول التقرير إن السلطات “بذلت جهودا تستحق الثناء، خاصة ما تعلّق بتحسين ظروف الاحتباس”. وبخصوص مدى رضا المتقاضين على الأحكام والقرارات التي يطلبونها من مرفق القضاء، جاء في التقرير: “تتلقى اللجنة شكاوى مواطنين عن حالات مروّعة، تشير إلى ظلم صارخ.. أن العدالة تعاني من أزمة ثقة والدستور، لا يكرّس استقلال السلطة القضائية”. وطالب التقرير وزارة العدل ب"التوقف عن التدخل في نشاط الوظيفة القضائية”. وتعطي لجنة قسنطيني رأيها في أداء القضاة، فتقول: “يتمتع القضاة بسلطة غير محدودة أمام المواطن العادي، بينما سلطتهم في غاية التواضع أمام الشخصيات ذات النفوذ المادي والسياسي والإداري”. وتتضمن هذه المعاينة اعترافا صريحا من مؤسسة تابعة لأعلى سلطة في البلاد، بأن هيبة القاضي تبدأ وتنتهي عند المواطن البسيط، بينما تنعدم أمام أصحاب النفوذ. وتضرب هذه الملاحظات في الصميم، الإصلاحات التي يقول الرئيس بوتفليقة، إنه أدخلها على جهاز القضاء وتطرح أسئلة حول جدوى الأموال الضخمة التي أنفقت على تكوين القضاة وبناء المنشآت القضائية. ومن جهة أخرى، تحدث التقرير عن “قضاة أوقفوا مسارهم المهني لممارسة أنشطة أكثر ربحا وأقل ثقلا على ضمائرهم، بعد أن وقفوا ضد أمر صادر عن السلطة التنفيذية”. مشيرا إلى أن أجر القاضي الجزائري جيد، “ولكن لا يجعله بمنأى عن الإغراءات بالنظر لطبيعة عمله التي تجعله عرضة لمحاولة الرشوة”. وفي الشق المتعلق بالدفاع، ذكر التقرير أن قانون الإجراءات الجزائية “لا يشجع على توفير دفاع نوعي، لأنه يهمّش المحامي”. فهو، حسب الوثيقة، ممنوع من الحضور مع موكله من بداية التحقيق. وأثناء المحاكمة “لا يسمح للدفاع باستعمال حقه في المرافعة بشكل كامل، إذ يرفض 90 بالمائة من القضاة طلبات الدفاع إجراء تحقيق تكميلي”، بحسب التقرير الذي يرجع السبب إلى الضغط الذي يشكّله تراكم الملفات أمام القضاة. وورد في ملاحظات اللجنة الحقوقية، أن المتهمين “يواجهون محنة لا نهاية لها على مستوى آخر هيئة من هيئات الطعن، وهي المحكمة العليا”. وأشارت إلى أن رئيسها الأول قدور براجع “يملك مستشارين تسند إليهم معالجة الملفات حسب قدراتهم الشخصية”. وأضاف التقرير: “تفيد المعاينة بأن القضايا العالقة مكدّسة على مستوى المحكمة العليا بشكل يفوق الخيال، وتقدر بالآلاف”. أما عن الحبس الاحتياطي (لا يسميه التقرير “الحبس المؤقت” مثلما جاء في القانون)، فتذكر اللجنة أنه “إهانة بشعة لحقوق المواطنين، وطابعه يلحق ضررا بالتزامات الجزائر في إطار المعاهدات والمواثيق ذات الصلة بترقية وحماية حقوق الإنسان”. وأوضحت أنه “بدل أن يكتسي الحبس الاحتياطي طابعا استثنائيا، أصبح معيارا غير قابل للتغيير ولا يلين إلا حسب نفوذ الشخص الموقوف”، معنى ذلك أن قاضي التحقيق يضع المتهم في الحبس أو يستثنيه منه، بحسب “وجه الزبون”.