وقّع في الأيام الماضية وزير السكن العمران والمدينة اتفاق تعاون مع تركيا، يقضي بتكفل الوكالة التركية للتعاون والتنسيق بترميم مسجد كتشاوة. وقد تعهّدت هذه الوكالة بانجاز الأشغال تطوّعا، أي دون مقابل. استوقفني هذا الأمر وبعث في نفسي أكثر من سؤال: لماذا لم يطلب الأتراك مقابلا ماديا؟ ما الهدف وراء قيامهم بهذا العمل؟ لماذا هذه البناية بالضبط؟ أهو تبديد للمال أم تقديم مساعدة لبلد ينام فوق كنوز لا تنضب، ويحوي بنوكا لا تنوء محتوياتها بالعصبة أولي القوى؟ أم هو درس لمن يعتبر؟ وأنا أراجع معلوماتي البسيطة والمتواضعة في التاريخ وجدت بأنّ مسجد كتشاوة بُني إبان العهد العثماني، أي من قِبل الأتراك. وقلت بعد أن اختلطت الأحداث في رأسي: هي النظرة الحضارية. هي الغيرة الحضارية. هم يعتبرون كلّ ما يمتّ إليهم بصلة إرثا حضاريا، يمد جذوره لماضٍ، لا يُبنى أيّ مستقبل دونه. حرّكتهم الصورة المذلة الكارثية التّي أصبح عليها هذا المعلم. يريدونه شاهدا على تاريخ صنعوه بنبوغهم وتفوّقهم.. هم يؤمنون بأنّ مس الإرث الثقافي والحضاري هو مساس بكرامة وشخصيّة دولة، وكيان حضاري وثقافي. أما نحن فلا نقدّم أيّ اعتبار لكلّ ما هو ماض. وتذكرت المليارات التّي أنفقت في مهرجانات مزغنة، الجزائر عاصمة الثقافة العربية، تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، سنة الجزائر في فرنسا وغيرها كثير.. تنهدت وقلت: هي أسرار التقدّم تقابلها أسباب التخلّف. واصطدمت بصوت داخلي يقول: سننتظر.. سننتظر يوما علّه يُحرّك غيرنا لترميم وإعادة الاعتبار لمعالمنا. ستبقى جميلة، الحمادية، المنصورة، مقبرة الدغامشة، رسومات الهڤار.. تئن وتنزف وترحل في صمت.