للحجّ محاسن كثيرة نفسية وروحية.. فمنها أنّ الحاج وإن اشتدّت مشقّته وبعُدت شقّته، فإذا وقع بصره على بيت اللّه الحرام زال الكلال، فلا كلال ولا ملال وكذا في يوم القيامة، وإن طال اليوم وعاين الأهوال واشتدت الأحوال فإذا نظر إلى ربّه المتعال زال ما به نزل، وكأنّه في روح وراحة لم يزل، فسبحان اللّه، يزول الكلال والعي والتعب ممّن رأى البيت فكيف بمَن رأى خالق البيت. وليس للبيت من ربّ البيت إلاّ الشّرف بقوله جلّ ذِكرُه: {أنْ طَهِّرَا بيتيَ للطّائفين..}. ويُشير بالطّواف إلى أنّ البيت ليس بمقصودنا بل مقصودنا معبودنا، لا راحة في البيت دون لقاء ربّ البيت، فكذا لا راحة في العُقبى برؤية داره إلاّ بلقاء وجهه الكريم. والمراد بالإحرام أنّه ينزع المَخِيط الّذي هو لباس الأحياء ويلبس غير المَخيط الّذي هو لباس الأموات، ولا يحلّق رأسه كما لا يحلّق رأس الميت، ولا يقلّم أظفاره ولا يقطع شاربه ولا يتطيّب بطيب ولا يزيل نفثه وشعثه ولا يقضي شهوته ولا يصطاد صيد البّرِّ، وكلّ ذلك يُشير إلى أنّه قد مات في سبيل اللّه فيَنال الموعد من الثّواب بقوله تعالى: {ومَن يَخْرُج من بيتِه مُهاجرًا إلى اللّه ورَسُولِه ثُمّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَد وَقَعَ أجْرُه عَلَى اللّه وَكانَ اللّه غَفُورًا رَحِيمًا} النّساء:100. فالتّقريب أنّ مَن رجع من حجِّه إلى وطنه فكأنّه استجيبَ دعاؤه في القيامة بقوله: ”يا ليتنا نُرَدّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين”، وأعيد إلى الدنيا فلا يعود إلى ما كان يأتيه من قبل كي لا يُقال له: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإنَّهُم لَكَاذِبُون}.