قال الوزير الأول عبد المالك سلال منذ يومين إن مسودة الدستور الجديد موجودة الآن بين يدي الرئيس، ما يعني أن تعديل الدستور المعمق الذي وعد به رئيس الجمهورية الجزائريين سنة 2008 لما أقر تعديلا محدودا عليه ليسمح له بالترشح لعهدة ثالثة، سيكون حاضرا عن قريب. ولكن هل تكفي الأشهر القليلة التي بقيت على نهاية العهدة الثالثة لإجراء استفتاء على الدستور، الذي يبقى محتواه مبهما ولا أحد يدري ما المواد التي أدخلت عليها التعديلات، وما الذي أضيف وما حذف من الدستور الحالي؟! فمن المفروض أنه قبل استدعاء المواطنين للتصويت على الدستور أن يطرح للنقاش الموسع، ليس بالضرورة من قبل رجل الشارع مثلما عشناه مع دستور 1976 في عهد بومدين إذ شارك غالبية المواطنين وفي كل ولايات الوطن بإبداء رأيهم فيه وانتقدوه بكل حرية، لكن على الأقل أن يطرح على الطبقة المثقفة وأهل الاختصاص والصحافة لتعرف على الأقل أهم ما جاء فيه. فحتى الآن تتسرب فقط بعض الشائعات حوله، كأن الرئيس يريد تعديلا آخر على المقاس يسمح له بتمديد العهدة الحالية بسنتين، وأن يعين نائبا له ليخلفه في حال - لا قدّر الله - وافته المنية أو أقعده المرض، وأيضا أن اسم الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية سيتغير في هذا الدستور وتحذف منه عبارة الشعبية أسوة بالديمقراطيات الشعبية التي اختفت مع الاتحاد السوفياتي. ويبدو أنه لم يبق من الديمقراطيات الشعبية سوى نحن والصين. وتغيير التسمية سيتبعه طبعا تغييرا في التوجهات وفي مسؤوليات الدولة تجاه مواطنيها. وهناك أيضا تعديلات خاصة بهيكلة الجيش والحكومة والانتخابات والعمل الحزبي، وهي تعديلات ستمس الدستور في العمق، وبالتالي لا يمكن أن يمرره الرئيس على غرفتي البرلمان لأنه في هذه الحالة سيكون “بريكولاجا” ودوسا على المبادئ الدستورية. فدستور بهذا العمق لا بد من استشارة الشعب بشأنه، خاصة وأن للبرلمان الحالي من الضعف ما لا يؤهله لمناقشة دستور بهذا الحجم. أما إذا كان التعديل يخص فقط التمديد ومسألة تعيين نائب الرئيس، فهذه الأخرى لن تكون مقبولة، لأننا انتخبنا رئيسا لفترة رئاسية بخمس سنوات وببرنامج معين، برنامج لم ينجح الرئيس حتى اليوم في تطبيقه وما زالت الكثير من الورشات معلّقة، إما بسبب المرض أو لأسباب أخرى كالفوضى التي عمت العالم العربي وجعلت البلاد تهتم بفك طلاسمها لإبعادها عن مدننا. كما أن مسألة تعيين نائب للرئيس لن تكون أيضا دستورية حتى وإن مرت على الدستور، لأن نائب الرئيس مثلما هو معمول به في الديمقراطيات الحقيقية، لابد أن ينتخب مع الرئيس من طرف الشعب، وليس للرئيس الحق في تعيينه، لأن الثقة، إن كانت هناك ثقة بين الرئيس والمواطنين، هي في شخصه وليست في خليفته، حتى وإن كان المعني بالأمر هو شقيقه نفسه، أو بلخادم الأمين العام السابق لجبهة التحرير المطرود من الأمانة العامة من قبل قيادتها. لا أظن أن الرئيس سيغامر بهكذا إجراءات ويضع نفسه في مأزق قانوني، حتى وإن عين على رأس المجلس الدستوري أحد المقربين منه ليوقع له صك الموافقة على ما يتخذه من إجراءات، فهو حتى الآن، باستثناء التعديل الذي أدخله على الدستور الأخير ليسمح لنفسه بعهدات مفتوحة، وهو إضرار بمبدإ ديمقراطي حاولت الجزائر أن تتميز به عن غيرها من البلدان العربية، لم يتخط القوانين في ما قام به من إجراءات، بما فيها التعديلات الأخيرة التي أدخلها على مؤسسة الجيش، لأنه إن فعل سيدخل البلاد في متاهة أخرى لخرق القوانين والدوس على الدستور لن تخرج منها، لأن الذي سيخلفه لن يحيد عن القاعدة وسيحتفظ بكل الصلاحيات التي يمنحها له الدستور، ولن يتنازل عنها ما يشكل عقبة في طريق الديمقراطية والمشاركة في الحكم التي ما زلنا نطمح للوصول إليها منذ أحداث أكتوبر 1988، ولم نتمكن منها بسبب الوضع الأمني الذي عاشته البلاد وتهديد الجمهورية من قبل الإسلام السياسي الذي يرفض الحكم الديمقراطي والحكم الجمهوري الذي يعطي للمواطن الحق في صياغة قوانينه، ويعتبر كل القوانين الوضعية كفرا وخروجا عن الملة، ولا حاكم إلا الله في نظرهم. بوتفليقة اليوم أمام مسؤولياته التاريخية وليس من حقه التلاعب بالدستور وتفصيله مرة أخرى على المقاس.